ملاك الأموي - وكالة القدس للأنباء
أصدر الكاتب والأديب المقدسي، جميل السلحوت، مؤخراً، رواية لليافعين، حملت عنوان: "جبينة والشاطر حسن"، عن مكتبة "كل شيء في حيفا"، وتقع الرواية التي صممها وأخرجها، شربل الياس، في 110 صفحات من الحجم المتوسط، واستطاع السلحوت من خلال روايته التي كتبها بلغة سردية، من إرساء عدة مفاهيم وقيم، وتعريف الجيل الجديد بالأماكن والمواقع الجغرافية الفلسطينية، من خلال ذكره لرحلات البراري التي قامت بها عائلة "جبينة" و"الشاطر حسن"، وتكمن أهمية الرواية أنها جمعت الحكاية الشعبية بفن الرواية، حيث مزجت بين القديم والمعاصر، وركز على القدس لما تعنيه من معاني وأبعاد جغرافية ودينية وتراثية وإنسانية، مشيراً إلى أن المدينة المقدسة تسكنه، لافتاً إلى معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال .
وفي هذا السياق، تحدث الأديب السلحوت لـ"وكالة القدس للأنباء"، قائلاً: إن "تراثنا الشّعبي غنيّ جداً، واخترت "جبينة" الفتاة فائقة الجمال، وهي حكاية شعبية شهيرة، لأسحبها على نساء وطني فلسطين، ونساء أمّتي العربيّة، واخترت "الشّاطر حسن" وهو فارس شجاع، كنموذج لشباب شعبي وأمّتي"، مبيناً أن "هذه الرواية تحمل أكثر من رسالة، ومنها: تبيان جمال وثراء بلادنا فلسطين، وجوهرتها القدس الشّريف، وضرورة تعرّفهم عليها، من خلال التّجوال فيها، لمعرفة الأماكن من سهول وجبال ووديان، وللاطّلاع على ما تنبته الأرض الطّيّبة، وهذه دعوة غير مباشرة للعودة إلى الأرض وزراعتها، ومعرفة أماكنها المقدّسة، ليرتبطوا بها، وليحموها من الطّامعين والغزاة".
وأضاف السلحوت: أن "الرّواية تحمل في طيّاتها محاربة الطّائفيّة، فلا فرق بين مسلم ومسيحيّ، فالكل أبناء شعب واحد، ووطن واحد، كما تبين أنّنا شعب متصالح مع ذاته، دون تمييز بين أبناء المدن والقرى والبادية، وفيها دعوة للحفاظ على الآثار القديمة".
وحول سؤاله عن كيفية اختياره كتاباته لفئة "الفتيان"، قال: إن "الكاتب ابن بيئته، وأنا فلسطينيّ مقدسيّ، أعيش معاناة شعبي تحت احتلال أهلك البشر والشّجر والحجر، وهذا الاحتلال يستهدف الأرض والإنسان، وبالتّالي فإن مواضيع رواياتي ألتقطه من هذا الواقع الذي أعيشه، فأتغنّى بقداسة وطني، وثرائه ومساهمة شعبي في بناء الحضارة الإنسانيّة، ففلسطين عبارة عن متحف كبير يشهد على الحضارة التي بناها الآباء والأجداد"... لهذه الأسباب أخترت القدس لرواياتي
القدس.. مهد الديانات
وعن اختياره مدينة القدس لأحداث قصته، أوضح أن "القدس جنّة السّماوات والأرض بلا منازع ودون مبالغة، فهي مهد الدّيانات السّماويّة، وهي عنوان العلوم والحضارة العربيّة والإسلاميّة، وكلّ حجر فيها يشهد على عروبتها، فيها المسجد الأقصى، الذي هو جزء من عقيدة المسلمين، فهو معراج خاتم النّبيّين، وثاني المسجدين وثالث الحرمين، وأحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرّحال، وبرج اللقلق، مكان مستهدف من المحتلّين، وهو يطلّ على الأقصى وكنيسة القيامة وقريب منهما، وفيها كنيسة القيامة إحدى أقدس مقدّسات الدّيانة المسيحيّة، وفيها عشرات المساجد والزّوايا والتّكايا والمدارس التّاريخيّة، وفيها عشرات الكنائس والأديرة وعشرات المقابر التّاريخية الإسلاميّة والمسيحيّة، وهي مدينة تسحر كلّ من يدخلها ببهائها وعبق تاريخها، وهي من أقدم المدن في العالم، بناها الملك "مُلكي صادق" اليبوسيّ العربيّ قبل ستّة آلاف عام، واتّخذها عاصمة لمملكته".
القدس قلب فلسطين
ولفت إلى أن "القدس عنوان للحضارة الإنسانيّة والتّعدّدية الثّقافيّة، وهي قلب فلسطين، تعرّضت لغزوات واحتلالات كثيرة، وبقيت صامدة مكانها، أمّا غزاتها فكان مصيرهم مزابل التّاريخ، أضاعها عربان هذا العصر، ويا حسرة التّاريخ لو يعلمون أيّ مدينة أضاعوا بضياع القدس؟ هذه المدينة تسكن عقلي وقلبي، وبالتّالي فإن جميع كتاباتي لا تخلو منها، وأنا أركّز على القدس في كتاباتي لأنّها تسكنني، وهي مستهدفة أكثر من بقيّة مدن وبلدات الوطن، فالمحتلّون لم يكتفوا بسرقة الجغرافيا فقط، بل يسرقون التّاريخ والثّقافة أيضاً، ومن حقّها علينا أن تبقى أماكنها محفوظة في عقولنا وقلوبنا، ليتوارثها الأبناء من الآباء، والدّهر يومان يوم لك ويوم عليك، لكن "ليس بعد الليل إلا فجر صبح يتسامى".
فلسطين جنّة ولا تعرف الطائفية
وأشار الكاتب إلى أن "فلسطين جنّة غنّاء، وبلد زراعيّ تنمو فيها مختلف أنواع الفواكه والخضار والحبوب، وهي متحف كبير، ورغم صِغَر مساحتها، وكثرة الطّامعين فيها، إلّا أنّك تجد فيها مختلف المناخات، وهي ساحرة بجمالها، كريمة بعطائها، وهي مهد الدّيانات السّماويّة، ولا تعرف الطّائفيّة، وإن كان غالبيّة أبناء شعبها من أتباع الدّيانة الإسلاميّة، وكلاهما يحمل هموم الوطن، فللمسيحيّين حقوق متساوية، وهم جزء أصيل من شعبنا، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، "فالدّين لله والوطن للجميع"، ومقدّساتنا من مساجد وكنائس ملك لشعبنا وجزء من ثقافتنا وحضارتنا، فإذا ما تمّ الاعتداء على أحد دور العبادة، فإنّ المسلمين والمسيحيّين يهبّون للدّفاع عنه، ويجب تكريس هذا الفهم في عقول ووعي الأجيال المتعاقبة".
يشار إلى أن الكاتب جميل السلحوت، مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران 1949 ويقيم فيه، حاصل على ليسانس أدب عربي من "جامعة بيروت العربيّة"، وعمل مدرّساً للغة العربيّة في المدرسة الرشيدية الثّانويّة في القدس، اعتقل من 19-3-1969 وحتى 20-4-1970 وخضع بعدها للإقامة الجبريّة لمدّة ستّة أشهر، وهو عضو مؤسّس لاتّحاد الكتّاب الفلسطينيّين، وعضو هيئته الإدارية المنتخب لأكثر من دورة.
فاز عام 2018 بجائزة القدس للثّقافة، ومنحته "وزارة الثّقافة الفلسطينيّة" لقب"شخصيّة القدس الثّقافيّة للعام 2012"، كما جرى تكريمه من عشرات المؤسسات، وشارك في عدّة مؤتمرات ولقاءات، وله عدة إصدارات في الرواية للكبار والصغار، أدب الرّحلات، وقصص الأطفال، وأدب السيرة الذاتية، والسيرة الغيرية، والتراث الشعبي، واليوميات، والأدب الساخر والنقد الأدبي. وإصداراته لهذا العام كانت الأعمال الروائية: الليلة الأولى- مكتبة كل شيء في حيفا 2023، أما روايات اليافعين: رواية "مايا"، و"جبينة والشاطر حسن" 2023.