تبقى الأوضاع الأمنية المتفجرة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صيدا، هي الحدث الأبرز الذي يشغل الأوساط الفلسطينية واللبنانية رغم الفراغ الرئاسي في لبنان، وكثافة الوفود الدولية التي تصل بيروت لإيجاد طريق يؤدي إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
فتصاعد الاشتباكات وقساوتها على امتداد الجولات القتالية، يشير بوضوح إلى أن الأزمة في عين الحلوة، تتجاوز الخلافات بين تيارات مختلفة أو اغتيال قائد القوة الأمنية، اللواء أبو أشرف العرموشي، لتصل إلى مؤشرات خطيرة أن يكون ذلك مقدمة لاجتثاث المخيم وتدميره كما جرى في مخيم نهر البارد عام 2007، ومخيم اليرموك قرب دمشق 2018.
وتتداول الجهات المعنية، أسئلة مثيرة للجدل: “من عمل على تسهيل دخول القوى والتيارات المتشددة وأسلحتها خلال السنوات الماضية إلى عين الحلوة، ليكون ذلك مبررا لتدميره؟ وهل هناك تقاطع مصالح أطراف فلسطينية ولبنانية وإسرائيلية لتدمير عاصمة الشتات. منهم من له مصلحة بتوجيه ضربة لقضية اللاجئين الفلسطينيين مقدمة لتصفيتها وتحويلها إلى قضية إرهاب وفوضى سلاح؟ وهذا ما يتقاطع مع مصلحة البعض في السيطرة على المخيمات وعدم التفريط بورقة اللاجئين، ومع مصلحة بعض آخر لتصفية القوى والتيارات الإرهابية قرب صيدا مدخل الجنوب اللبناني”.
وفي السياق، حذرت منظمات حقوقية فلسطينية في بيروت، من أن اندلاع الاشتباكات بشكلها المتصاعد والعنيف في عين الحلوة مقدمة لتدميره، خاصة في ظل فشل كل المحاولات اللبنانية والفلسطينية الجارية لوقف لإطلاق النار.
وأعربت “هيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين” عن قلقها من احتمال تكرار تجربة مخيم نهر البارد، حيث تسقط كل وأمام محاولات التهدئة ووقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة.
وأضافت الهيئة الحقوقية في تقرير لها: “باتت الاشتباكات المسلحة في مخيم عين الحلوة تتنقل من حي إلى حي ومن حارة إلى حارة حتى باتت جميع أحياء المخيم عرضة للاستهداف، مع مشاهد الدمار الفظيع في منازل المدنيين وممتلكاتهم”.
وأشار التقرير إلى أن الاشتباكات المستمرة والمتصاعدة في عين الحلوة، تسببت بنزوح الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، ناهيك عن الضرر الكبير الذي يقع لجوار المخيم على المستوى المادي والمعنوي وسقوط قتلى وجرحى.
ودعت “الهيئة 302″ جميع الأطراف لاستحضار رمزية مخيم عين الحلوة الأكبر بين المخيمات في لبنان وارتباطه بقضية اللاجئين وحق العودة، وتفويت الفرصة على من يحاول الاصطياد في الماء العكر وينهي قضية اللاجئين وحق العودة، واستقاء الدروس والعبر لما جرى في مخيم نهر البارد قبل 16 سنة من تدمير كامل للمخيم وتهجير للاجئين ومعاناة لا تزال حاضرة حتى الآن، والعمل على الوقف الفوري لإطلاق النار، وعودة النازحين، والاحتكام إلى لغة العقل والحوار في حل جميع الإشكالات الحاصلة مهما بلغ مستواها”.
من جهته، دعا مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، جميع الأطراف المعنية لتثبيت وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة حفاظاً على الوجود الفلسطيني في لبنان وحرصاً على العلاقة مع الجوار اللبناني.
وأشار مركز الزيتونة في تقرير له تناول تقدير موقف بعنوان: “أحداث مخيم عين الحلوة والاحتمالات المتوقعة”، من إعداد الباحث الفلسطيني رأفت مُرة، إلى أن المعركة في مخيم عين الحلوة ستبقى مستمرة وتهدد الوجود الفلسطيني في لبنان، بسبب خلفيات هذه الاشتباكات ومصالح بعض الأطراف فيها.
واستعرض “تقدير الموقف” مسار التطورات في عين الحلوة قائلا: “عقب تجدد الاشتباكات في مخيم عين الحلوة بين الأمن الوطني الفلسطيني التابع لحركة فتح، وعدد من المجموعات الإسلامية في أواخر شهر تموز/ يوليو 2023 بعد اغتيال أبو أشرف العرموشي، مسؤول الأمن الوطني في منطقة صيدا، فشلت جهود لجنة التحقيق في تحديد المتهمين بالقتل، كما فشلت مساعي وقف إطلاق النار التي أعلنتها الفصائل الفلسطينية أكثر من مرة. وازدادت المعارك حدة طوال أسابيع، لكن جميع أطراف الاقتتال فشلت في تحقيق أي انتصار ميداني أو أي تقدّم عسكري”.
واستبعد التقدير، في ظل بقاء العوامل المحلية والإقليمية والدولية على حالها، إمكانية حسم المعركة أو تسليم المطلوبين. وأشار إلى أنه بالرغم من احتمال تحقيق هدنة وتوقف القتال، إلا أنه من المتوقع أن يكون التوقف هشاً ويسهل خرقه، ما دامت القضايا الأساسية الموجبة للتوتر قائمة، وهو ما قد يلحق خسائر كبيرة بمخيم عين الحلوة وبالقضية الفلسطينية وبمستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان.
ودعا تقدير مركز الزيتونة إلى تثبيت وقف إطلاق النار في عين الحلوة برعاية فلسطينية لبنانية، وسحب المسلحين من الشوارع ومن مدارس “الأونروا”. وأشار التقدير لضرورة العمل على حلّ مشكلة المطلوبين للدولة اللبنانية على وجه السرعة، كما دعا لإعادة النازحين فوراً، والتعويض على الخسائر البشرية والمادية.
وأوصى التقدير بتثبيت دور هيئة العمل الفلسطيني المشترك التي تضم جميع الفصائل الفلسطينية، وعدم التفرد بقرارها. كما أوصى بتفعيل دور الاتحادات والنقابات ومؤسسات العمل المدني والشعبي في خدمة المجتمع الفلسطيني في لبنان، وتعميق أجواء التكافل والتضامن، وتقديم نموذج حضاري متقدم لفلسطينيي لبنان.
واختتم التقدير بالدعوة إلى المحافظة على الوجود الفلسطيني في لبنان ورفع الغطاء عن أي أطراف تسعى للعبث بأمن المجتمع الفلسطيني، وتشويه صورته، وزيادة معاناته واستنزافه، والتسبّب بتفكيك مخيماته، وحرف بوصلته عن أجندته الأساسية في العودة وتحرير أرضه ومقدساته.
يؤكد مصدر فلسطيني متابع لـ”القدس العربي” أن الهدف النهائي من اندلاع الاشتباكات بشكلها المتصاعد والعنيف هو تدمير مخيم عين الحلوة وإعادة تنظيمه بإحصاء دقيق لهذا الخليط السكاني الكثيف ومساحاته الجغرافية وتنظيم شؤون دفع الضرائب، واشتراكات الكهرباء والمياه وغيرها من الخدمات للدولة اللبنانية.
وأيضا، تصفية الجماعات المتشددة (الشباب المسلم، جند الشام، بقايا فتح الإسلام وغير من التيارات المتطرفة) وإخراجهم من المخيم.
وتنظيم شؤون مخيم عين الحلوة بحدوده الجغرافية المعترف بها، وإعادة العقارات التي سيطر عليها الفلسطينيون بعد الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، وأدت إلى تمدد عين الحلوة بمساحات جغرافية خارج المساحة الرسمية للمخيم.
ما يعني أن معركة عين الحلوة معركة طويلة، ولن تتوقف في المدى المنظور، بل ستشهد جولات من العنف والمعارك الضارية بانتظار تحقيق الأهداف سابقة الذكر وأبرزها اليوم تدمير المخيم واجتثاث التيارات المتطرفة، كمقدمة لتحقيق الأهداف الأخرى، وهذه معركة لن تكون سهلة، رغم احتمالات المراهنة على نفاذ ذخيرة المتشددين، خاصة وأن هذه القوى الإرهابية المدعومة من قوى فلسطينية ولبنانية.
الاشتباكات والمعارك المسلحة في عين الحلوة طويلة وشاقة، ولن تتوقف إلا بتحقيق الأهداف السابقة الذكر، تدمير المخيم وإخراج القوى والتيارات الاسلامية المتطرفة، وهذه الأهداف لن تتحقق من خلال هجمات مقاتلي “فتح”، لأن “فتح” تعيش حالة تخبط وانقسام، لهذا هناك محاولات جادة لدفع الجيش اللبناني للمشاركة ميدان المعركة ضد الإرهابيين، لأن الجيش وحده يستطيع الحسم.
قيادة “فتح” تعلم ذلك وتعمل على اجتثاث الإرهاب من المخيم من خلال تعزيز بنيتها ووحدتها الداخلية، أو من خلال مشاركة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) إلى جانبها في القتال.
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي ترفض الانخراط إلى جانب حركة “فتح” في المعركة، اعتبرت أن ما يجري في عين الحلوة، من اشتباكات دموية وما تلحقه من مآس ودمار وسفك للدماء، يسيء للنضال الفلسطيني، ويصب في خدمة الأجندات المعادية الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية، وفي القلب منها قضية اللاجئين.
ولفتت الجبهة، إلى أن اندلاع الأزمة الأخيرة في مخيم عين الحلوة، وفي هذا التوقيت بالذات، يثير العديد من الشكوك وعلامات الاستفهام، خاصةً في ظل ما يعانيه لبنان رسمياً وشعبياً من أزماتٍ اقتصادية واجتماعية.
وأمام عدم انخراط الفصائل الفلسطينية في اشتباكات عين الحلوة إلى جانب “فتح”، ترى الحركة أن المعركة في مواجهة الإرهاب بمخيم عين الحلوة والمناطق اللبنانية المجاورة للمخيم (التعمير، الطوارئ)، أن الدولة اللبنانية معنية بما يجري في عين الحلوة، أولا لأن المخيم على أراض لبنانية، وثانيا لأن الإرهاب ليس داخل المخيم فحسب، بل هو أيضا في مناطق لبنانية خارج حدود المخيم، لذلك تأمل الحركة بإشراك الجيش اللبناني بالمعارك أولا بهدف إنقاذ “فتح” من مأزقها وعدم قدرتها على حسم المعركة، وثانيا بهدف اجتثاث الإرهابيين من تلك المناطق، ما يريح “فتح” داخل المخيم.
وبالتالي لن تنتهي المعارك والاشتباكات في عين الحلوة في المدى المنظور، إلا باجتثاث الإرهابيين عن طريق دخول الجيش اللبناني إلى ميدان الاشتباكات أو أن عنف المعارك وهولها يدفع القوى الأخرى اللبنانية والفلسطينية وحزب الله بالخفاء لإجراء مفاوضات مع قادة المتشددين وتشجيعهم للانسحاب من المخيم بشكل آمن إلى شمال سوريا مقابل ضمان سلامتهم.
المصدر: “القدس العربي” - عبد معروف