أصدرت الأديبة الفلسطينية، نيروز قرموط (1984)، مؤخراً، مجموعتين قصصيتين، الأولى تحمل عنوان: "عباءة البحر وقصص الجديلة" وتقع في 212 صفحة، فيما الثانية اختارت لها عنوان: "عُبور: متوالية قصصية"، وتقع في 248 صفحة، صدرتا عن "دار ميريت" للنشر في القاهرة، بالتعاون مع "دار راية للنشر والترجمة"، وكانت أجزاء من المجموعتين نشرت بأكثر من لغة قبل صدورها بالعربية، وتضم المجموعة الأولى 15 قصة قصيرة، أما الثانية متوالية من ثلاث قصص (نوفيلات).
عن مسيرتها الأدبية، تحدثت الكاتبة قرموط، لـ"وكالة القدس للأنباء" قائلة: إن "الإبداع هو التحليق في لحظة التصاق الإنسان ومخيلته العابرة لكل مكنوناته التي تنسج الحكاية، والتحديات هي الأحداث والظروف التي جذفت من خلالها القصة مشاهدها، أما الأسرار، فهي ما يسبر أعماق النفس في كل منا، في شخوصنا وتفاعلاتنا على اختلافها، لذا كيف أتعامل لربما بتأمل وبصبر، لأُخرج لاحقاً ذلك البعد الفني الذي يعيد صياغة كل شيء وبمعيارية إنسان حيادي، وأمتلك دفقة البناء للمشهد الجديد".
وأشارت إلى أن "الأديب عندما يبني أبطال قصته، يمتلك تلك اللحظة التي يبتعد بها عنهم ليجعلهم يكتبون أنفسهم، حتى ولو كانوا في نصه هو، لربما عليك أن تعايش كل تحولاتهم العاطفية في لحظة ما، عندما يصمتون، يغضبون، يبتسمون ويحزنون، لكن الفن هو التوازن في داخلك الذي لا يجعلك تغدق من نفسك عليهم، لكنه التفاعل الداخلي فيك يجعلك محركًا لتلك العواطف والأفكار والاتجاهات التي تخصهم وحدهم"، مبينة أن "الشعر هو دفقة اللغة والإحساس، عندما يتكثف النص بشخوصه وأحداثه يغدق عليك بثروة شعورية لغوية ترصف المعنى موسيقى وشعراً ونثراً، لذا هذا المزج يأتي من تلقاء نفسه كلما تعمقت في الخيال، وجعلك لحن القصة مشدوها بكل ما يبنيها من بطانة فكرية ولغة أدبية وتصوير فني".
التجاوب العالمي عالياً وراقياً
وعن سؤالها عن كيفية تجاوب الأدباء والنقاد العالميين مع إصداراتها، قالت الكاتبة قرموط لوكالتنا، كان "تجاوباً عالياً وراقياً، ارتفع بقصتي وجعلها تجول العالم، الأدباء والنقاد العالميين يقتربون إلى صوت الإنسان في قصة مؤثرة، كتبت بتقنية فنية يحترم لها ما يجدد في الأسلوب وما يأسر في الأفكار، ليكون التضامن مع القيم التي لا تلقن نفسها للآخر وإنما تجذبه إليها علّه يفهمها ويؤمن بجوهرها". موضحة أن "الفلسطيني يمتلك قضية الإنسان التي من خلالها يعاد تعريف العدل في هذا العالم، وإلى جانبنا الكثير من المتضامنين والمساندين لعدالة القضية وحقوق شعبها المسلوبة"، مشيرة إلى أن "لا شيء يسير دون حوار معمق، قد تتفق وقد تعترض، لا شيء يخلو من صعوباته، لكن الأساس بالإرادة والاستمرار، وامتلاك القدرة على عرض نصك، أدبك، وفنك، كما يجب وكما يبتغى منك".
وعن علاقتها بالقارئ الفلسطيني قالت الكاتبة: "لدي علاقة طيبة مع القارئ الفلسطيني من خلال المقالات، وبعض النصوص المنفردة التي نشرت في السابق، يحبون ما أكتب ويتفاعلون معي بكرم أخجل من مسؤوليته. لكن أريد الإشارة حول أن النصوص كتبت بالأساس باللغة العربية ونالت جائزة القلم البريطاني للترجمة عام 2017، أي ترجمت من العربية إلى الانجليزية وليس العكس، ولكنها تنشر بالعربية للمرة الأولى، أتمنى أن تنال إعجابهم، فأسلوبي يشارك القارئ في تفسير القصة أكثر من إني أخبره عنها، أشدو إلى إعمال العقل والعاطفة وإنتاج الفكرة المستقلة"، مؤكدة أن "أبطال قصتها هم مكافحون، نساءً وأطفالاً ورجالاً وكهولاً.. هم من يبحثون عن الجمال والكرامة في أبسط المهن، من يصيغون تفاصيل المشهد الناعمة، هم اللبنة الأولى في تطوير المجتمع، والصورة الفنية التي تلتقطها إضاءة أي كاميرا غير متكلفة".
وأوضحت أن "الترحال يوثق المشهد في مخيلتك ويعمق الخيال مما يطرح عليك مقاربات فلسفية، تدرس اختلاف البيئات من حولك، وطبيعة الإنسان المتحرك فيها، أنت تكتب الواقع بمخيلتك، المخاض يخرج من المفارقات التي تعنون حالة الاندماج أوالتنافر بين بيئتين أو انسانين تجمعهما نفس الحالة وذات الظرف بما تحمل من تناقض.."عبور" تحمل ثلاث قصص مطولة "نوفيلا"، ألفريدو العامل اللاجئ، الذي حمل رمزية الإنسان ما بين السلام والحرب، إلى جانب أنه رمزية تعكس تحولات المدينة. كتبت هذه القصة منذ أعوام، و"النرد" التي حملت رحلة ما بين الواقع والسريالية، والعودة من النيل بعد أن عبرت المسافرة في طريقها ومخيلتها من لندن إلى غزة، وكانت القيم والأحجية ترسم المشاهد بدقة الرؤية المتفحصة للمكان والزمان المتأرجح بين مشاهد تحكمها لعبة التقديم والتأخير".
وأضافت: "أما عن القصة الأولى في المجموعة "كيف تستعيد النساء أجسادهن بعد الحرب" كتبت على ثلاث مراحل، ولكل مرحلة لغتها المرافقة، أحد الفصول الذي اتسم نصه بلغة التجريد الصامت، كتبت خلال كورونا وحملت من ملامح عزلتها، وآخر بعد فشل عملية ديمقراطية في فلسطين، وبدأت المقاربات تتحرك في بيئات الحركة كنادي الرياضة، والتحرك بين جدليات "الحزن والفقدان" و"الرقص وتمارين الاستطالة". حتى كان الجزء الأخير من القصة والذي نمت به لغة الشعر والصوفية وتعمقت فلسفتها، عندما بدأت رحلة الرمل المسافر ما بين مدينتين وبحر وصحراء، وأخذت نماذج النساء العاملة تعكس سياق مدينتين في رحلة البحث عن الجمال. عندما لا تتوقف الصراعات المصاحبة من حروب ونزاعات، وتغيرات مناخية تطرح حلولاً أكثر اتساعا لإشكاليات هذا العصر.
عندما يظلم العنب الفلسطيني
واستكملت الكاتبة نيروز قرموط حديثها بالقول: إن "حالة العبور هذه لم تبتعد عن كل قصص عباءة البحر وقصص الجديلة، كان العبور في قصة "عنب أسود" عندما يظلم العنب الفلسطيني وامرأته العاملة وابنها العامل في أرض المستوطن وعلاقته الجدلية به، وفي "رضاعة ثدي" عندما تصر الأم أن تعبر ابنتها من مأزقها. قصة اجتماعية تنبع من آثار النكبة على التحولات الأسرية والعادات والتقاليد المرافقة.
"نجوم الظل" قصة الخيال العلمي وحالة العبور المسرحي إلى بناء مدينة متخيلة تجمع لجوء متنوع في الصحراء وتدرس آثار التغير المناخي على الإنسان. و"الضفيرة الطويلة" الطالبة التي تعبر رجعية أستاذها إلى حريتها، "خلخال ميوماس" من تعبر إلى ذاكرتها، "عباءة البحر" تعبر إلى بحرها، "المرآة" تعبر من خوفها، "قمر السمرلاند" يعبران سويا تحت وطأة العنف المضاد والاختلافات الأيدولوجية، وقصص عدة لا يتسع الحديث عنها الآن، لكنها التراكم في تشكيل المخاض والتجربة".
وعن سبب اتباعها الرمزية أحياناً في تناول بعض القصص، قالت: إن "الاستعارة الأكثر تطوراً ما بين الخيال والمادة، تجدد من القدرة في استخدام رمزية مغايرة وغير متبعة، تخرج من قوالب البناء المعهودة في ترميز النص، كلما تعمقت في ربط المتغيرات ومدلولاتها الفنية وأبعادها المتخيلة، تأتي هذه الدفقة التي لا تفسر بلغويتها أو إحساسها"، مؤكدة أن "الأسلوب الذي يعبر بامرأة لا تمتلك الاستقرار في أدق قرارات حياتها الطبيعية، تحت وطأة الاحتلال وضعف المجتمع واختلال المفاهيم، مهما بدت الصورة مغايرة، وبالعدالة التي تحمل انتقالاتها المتأنية نحو تطوير ذاتها وأسرتها ومن ثم مدينتها، تخليق المسارات، من الداخل للخارج، البحث في أدبيات الجمال وفلسفته في أدق انصهار معنوي لها في تحديات الوجود والبناء والعمل، الإبداع هو ثورة، ونحتاج إبداعاً ثورته امرأة".
يشار إلى أن كتاب "عباءة البحر وقصص الجديلة" ضم لمحات من المراجعات التي تناولت القصص في الصحف والمجلات والجامعات الأجنبية، إثر فوز الكاتبة بجائزة "القلم البريطاني" (English Pen) العام 2017، وتصدُّر مجموعتها باللغة الإنجليزية قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في "مهرجان إدنبرة الدّولي للكتاب" في أسكتلندا العام 2019.
يذكر أن الكاتبة قرموط ولدت العام 1984 في مخيّم اليرموك للّاجئين الفلسطينيّين في سوريا، لتعود وأسرتها إلى فلسطين العام 1994.