/مقالات/ عرض الخبر

الإبادة والتطهير العرقي في فلسطين وتواطؤ المجتمع الدولي

2023/03/13 الساعة 12:54 م
على أرضنا باقون رغم المجازر الصهيونية والإرهاب اليومي
على أرضنا باقون رغم المجازر الصهيونية والإرهاب اليومي

بقلم: راغدة عسيران

يواصل كيان العدو الصهيوني سياسة التطهير العرقي والإبادة البشرية التي إقامتها على أرض فلسطين. لكن في الآونة الأخيرة، أقدمت حكومة بنيامين نتنياهو الاستيطانية الفاشية على تسريع هذه السياسة كونها تسعى الى "حسم الصراع" بدلا من "إدارته"، كالحكومات السابقة، وكونها ترفض ما تراه تدخلا دوليا في شؤونها.

منذ تشكيل هذه الحكومة الاستيطانية المتوحشة، لم يمرّ أسبوع إلا ونفذ جيشها ومستوطنوها غارة أو أكثر على المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، لقتل المواطنين وكسر معنوياتهم ومقاومتهم الصاعدة.  يبرّر الصهاينة توحشهم بالقول أنهم يضربون "الإرهاب" و"الإرهابيين"، ولكن هذه المقولة تناولها الصهاينة منذ زحفهم على فلسطين، لأنهم يرون أن كل من يعادي مشاريعهم الاستيطانية ويريد العيش بكرامة في وطنه هم "إرهابيون" و"مخربون"، أي يخرّبون على مشروع سرقة وطن ويمنعون مواصلة الإجرام الصهيوني.

في الضفة الغربية المحتلة، يشنون غاراتهم ويوسّعون مستوطناتهم وينهبون المياه والتراب والأموال، ويقتلون المواطنين دون تمييز بين المقاومين والمدنيين، بالنسبة لهم، كلهم فلسطينيون يجب قتلهم، فيُقتل من يدافع عن أرضه (الشهيد مثقال سليمان ريان في قراوة بني حسان قضاء سلفيت) ويُعدم من يدافع عن كرامته الشخصية (الشهيد عمار مفلح في حوارة)، كما يقتل من يقاوم ومن يسكن في بلده، بجوار المقاومين. يوميا، يشنّ جيشهم غارات على البيوت الآمنة ويعتقل العشرات، بعد تكسير أبواب المنازل وترهيب أهلها وتدنيس غرفها ومحتوياتها، معتقدا أن له الحق بإشاعة جوّ الرعب في كل مكان في فلسطين للتأكيد على سيطرته، لأنها سيطرة بالقوة والسلاح والعنف والشتائم، كما هي عادة أية قوة محتلة لأرض الغير.

لكن، لدى الصهاينة، مشروعا يتجاوز الاحتلال، مشروع التطهير العرقي الذي يستوجب الإبادة الجسدية في حال واجه المحتل المعتدي مقاومة، مهما كانت هذه المقاومة. منذ غزو فلسطين، قبل إقامة الكيان الصهيوني في العام 1948 وشرعنته من قبل بعض الدول في هيئة الأمم المتحدة، يسعى الصهاينة الى طرد أهل البلاد الأصليين ليحلّوا مكانهم، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، كل الوسائل مشروعة لديهم، من المجازر (مجازر النكبة التي استمرت لسنوات) الى الطرد الجماعي، حيث يتم استغلال الأزمات والحروب لتسريع الطرد (مجزرة كفر قاسم في 30/10/1956 وطرد المئات من المقدسيين بعد نكبة 1967).

ذكّر الباحث أنطوان شلحت مؤخرا أن دعوة وزير المالية في كيان العدو، بتسلئيل سموتريتش، إلى محو بلدة حوارة جنوب نابلس، وغارات المجموعات الاستيطانية (تدفيع الثمن، شباب التلال) على القرى والبلدات الفلسطينية، ليست منفصلة عن تاريخ هذا الكيان الذي بُني على أساس طرد الفلسطينيين، حيث دشن هذه السياسة الاستئصالية الحزب العمالي العلماني اليساري الذي استلم السلطة فور إقامة المستوطنة الكبرى "إسرائيل".

لم يكن تطبيق هذه السياسة الاستئصالية بحق الشعب الفلسطيني على وتيرة واحدة، لكن بقي الحلم الصهيوني بانتظار من يحققه دون إثارة المجتمع الدولي الذي يحاول كيان العدو البقاء في حضنه، كونه الحامي الأول والمدافع الأول عن وجوده. غير أن الصهاينة واصلوا خطتهم، بطرق أخرى، وخاصة في الأراضي المحتلة عام 1948. فهم لم يعترفوا بعشرات القرى الفلسطينية، كما لم يعترفوا الى الآن بالقرى التي تم تهجير الفلسطينيين اليها "مؤقتا"، كما هو الحال مع أهل قرية عتير أم الحيران في النقب الذين هجرّهم العدو مرتين، لأنه لا يعترف أصلا بإحقيتهم بالعيش في قريتهم، فهم في نظره "سكّان مؤقتين" بانتظار بلورة مشروع استيطاني صهيوني يدفعهم الى الرحيل.

إضافة الى عدم الاعتراف بعشرات القرى الفلسطينية، لم يكفوا عن تدمير بعضها، مثل قرية العراقيب في النقب التي تقف بصمود أهلها في حلقهم الى الآن، والتي هدموا  بيوتها ثم خيمها أكثر من مئتين مرة منذ 2010، ولاحقوا شيوخها وشبابها في المحاكم وسجنوهم أكثر من مرة (الشيخ صياح الطوري وأبناءه) لأنهم صامدون في أرضهم ولم يتبنّوا منطق الكيان الاستيطاني. واليوم، خطة الحكومة الفاشية إزاء النقب تختصر بتحريش الأراضي التي بقيت الى الآن ملكا للفلسطينيين وهدم البيوت وبناء المستوطنات الصهيونية عليها، وترحيل أهل النقب وبعثرتهم وإنهاء قضيتهم، أي تطبيق المشاريع الاستيطانية الاستئصالية التي خططت لها الحكومات السابقة.

يتم تطبيق سياسة التطهير العرقي بحق فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 بطرق شتى، بدأت بعد النكبة مباشرة، من خلال الحكم العسكري على مناطقهم وترحيلهم عن بلداتهم وأحياءهم الأصلية الى أماكن أخرى، وسرقة أراضيهم وأملاكهم، وجعلهم يشعرون بأنهم يعيشون في بلد ليس لهم، ك"ضيوف" يجب عليهم الامتثال بقوانين عنصرية وضعت لقمعهم وإسكات تطلعاتهم الوطنية والقومية والدينية. ثم جاءت التضييقات المختلفة، في السكن والتعليم والعمل والعبادة والتعبير والانتماء السياسي والاجتماعي والحفاظ عل الهوية الفلسطينية العربية الأصيلة، وواصلت هذه الجهود الاستئصالية عن طريق هدم المنازل بحجة عدم الترخيص (هدم 4 منازل مؤخرا في مدينة عكا و20 منزلا في النقب)، وتهويد الفضاء (زرع المستوطنات) وأسماء المدن والشوارع كي يشعر الفلسطيني بالغربة في وطنه ويرحل، وليس القانون الذي تم التصويت عليه مؤخرا بالقراءة الأولى حول سحب الجنسية والمواطنة إلا عودة الى مشروع قانون قد طرح سابقا وجُمّد لاسباب تكتيكية، لأن الأصل يبقى رفض الوجود الفلسطيني في وطنه وفقا لمشروع الدولة اليهودية الصهيونية.

كيف ينظر المجتمع الدولي الى سياسة التطهير العرقي والإبادة الجسدية في فلسطين التي يمارسها الصهاينة؟ لا تمانع الولايات الأميركية المتحدة ولا الدول الأوروبية الغربية على هذه السياسة، بسبب تاريخ هذه الدول الاستعماري، حيث أنها مارست جميعها التطهير العرقي والإبادة في المناطق والبلدان التي استوطنتها واحتلها، كما تشير اليه المئات من الكتب والدراسات التي صدرت حول الموضوع.

لكن مقاومة الشعب الفلسطيني أولا الذي رفض وجود المستوطنين ووعد بلفور منذ البداية ولم يستسلم للواقع، الاحتلال والتهجير واللجوء، والحاضنة العربية والإسلامية له، رغم ضعفها أحيانا وتراجع الأنظمة عن دورها وواجبها إزاء الشعب الفلسطيني، أبقت القضية الفلسطينية مشتعلة، والتي انتقلت من جيل الى جيل ومن تنظيمات الى تنظيمات، ومنعت تطبيق التطهير العرقي والطرد الجماعي الذي يسعى اليه العدو.

بسبب المقاومة، وخاصة المسلحة التي ينعتها المجتمع الدولي ب"الإرهاب" و"العنف"، وبسبب صعود أصوات لدول غير استعمارية في المجتمع الدولي، اضطرت الدول الغربية، أولها الولايات المتحدة، الى طرح مشاريع تسوية للصراع، أولا لإنهاء حالة المقاومة وثانيا للحفاظ على الكيان الصهيوني، الذي يعتبرونه كيانا أساسيا في المنطقة وله دور وظيفي يمكّنهم من مواصلة سيطرتهم عليها. فلذلك، تصدر بيانات وتصريحات ضد المستعمرين عندما يتجاوزون الحدود المتوافق عليها دوليا لتمكين بقاء هذا الكيان ومواصلة السيطرة والهيمنة.

بالنسبة للمجتمع الدولي، الذي سيطرت عليه الدول الغربية التي نفذت التطهير العرقي سابقا بحق الشعوب المقهورة، حالة المقاومة في فلسطين واستمراريتها، تشكل خطرا، على المدى القريب والبعيد، على الهيمنة والمشاريع التفتيتية في كافة دول المنطقة، كون المقاومة تلهب الشعوب العربية والإسلامية وتعيد صياغة وعيهم الذي أفقدتهم إياه هذه الدول بإثارة الأزمات المعيشية والطائفية وبتصدير قيم وطروحات غريبة أفقدتهم البوصلة، بوصلة فلسطين والقدس والتحرير من الغزوات الأجنبية، والتحرّر من الهيمنة وتوحيد شعوب الأمة.

لذلك، كل من يحاول إسكات صوت المقاومة والمقاومين وقمعهم ويسعى الى "التهدئة" وإيجاد بديل لهم في فلسطين عبر اتفاقيات ومؤتمرات ولقاءات مشبوهة يعملون لصالح المشروع الصهيوني الاستئصالي، لأن كل المشاريع الغربية تسعى الى استسلام الشعب الفلسطيني أمام الغزو الصهيوني، خشية من توسّع المدّ الثوري، عملا وفكرا، الى الشعوب العربية والإسلامية الأخرى، بسبب مركزية فلسطين والقدس في وجدانهم.

رابط مختصرhttps://alqudsnews.net/p/191063

اقرأ أيضا