قائمة الموقع

في ذكراه الثانية.. د. رمضان شلح: سيرة ومسيرة

2022-06-06T10:25:03+03:00
وكالة القدس للأنباء - خاص

يصادف اليوم الأثنين السادس من حزيران 2022 الذكرى السنوية الثانية لرحيل الأمين العام السابق لحركة الجهاد الاسلامي في فلسطين الدكتور رمضان عبد الله شلح عن عمر يناهز 62 عاما، بعد صراع طويل مع المرض، لتفقد الامة العربية، عامة وفلسطين، بخاصة، رجل الحكمة والوحدة والمقاومة والجهاد والاصرار على استرداد كافة الحقوق من المحتل الصهيوني الغاصب، وعدم التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين التاريخية..

وتتزامن الذكرى السنوية الثانية للأمين العام السابق الدكتور رمضان شلح مع أيام ثقال تمر بها القضية الفلسطينية التي تحاول أنظمة التطبيع العربية محاصرتها، وتقدم للمحتل الصهيوني الغطاء لتوسيع عدوانه المتواصل على الشعب الفلسطيني على امتداد الجغرافيا الفلسطينية، وتسريع خطوات التهويد والصهينة، التي تتركز في هذه المرحلة على مدينة القدس، والمسجد الأقصى، الذي تستبيحه اقتحامات قطعان المستوطنين، المنظمة بحماية شرطة الاحتلال، وسط إجراءات عنصرية وتعسفية ضد المرابطات والمرابطين والمصلين من الفلسطينيين، التي تحاول تحاول من خلالها سلطات الاحتلال فرض التقسيم الزماني، وتاليا المكاني، في الأقصى المبارك، تمهيدا للسيطرة عليه بشكل كامل، على غرار ما جرى للمسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل، بالضفة الغربية المحتلة.

ولأن القدس، "بوابة الأرض إلى السماء، كما أنها بوّابة السماء إلى الأرض". فقد حظيت هذه المدينة المباركة المقدسة بالحظ الأوفى والأوفر في معجزة الإسراء والمعراج: إليها كان الإسراء، ومنها كان المعراج؛ فالقدس هي المحور.. ولكل ذلك كان الدكتور رمضان عبدالله شلح صاحب مقولة: "القدس بالنسبة لي جزء من ديني وعقيدتي، ومن يقول لي تنازل عنها كأنما يقول لي احذف سورة الإسراء من القرآن". ولأجل ذلك أعلنت قوى المقاومة الفلسطينية والعربية أن اي مساس بوضع القدس والأقصى يعني إنطلاق صواريخ ومسيرات المقاومة باتجاه الأهداف "الإسرائيلية".

فمن هو الامين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الذي تسلم الأمانة وقاد الحركة في أصعب وأعقد الظروف السياسية، نحو 20 عاماً، بعد اغتيال الأمين العام القائد المؤسس الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا على أيدي الموساد الصهيوني في 26/10/1995؟..

ولد الدكتور رمضان عبد الله شلّح في حي الشجاعية في قطاع غزة لأسرة تضم 11 ولداً، حيث نشأ ودرس جميع المراحل التعليمية إلى أن حصل على شهادة الثانوية العامة. أمّا دراسته الجامعية فأكملها في مصر حيث درس الاقتصاد في جامعة الزقازيق وحصل على شهادة بكالوريوس في علم الاقتصاد في سنة 1981.

بعد تخرجه عاد إلى غزة وعمل أستاذاً للاقتصاد في الجامعة الإسلامية، وقد اشتهر بخطبه الوطنية التي أثارت غضب الكيان الصهيوني ففرضت سلطات الاحتلال عليه الإقامة الجبرية ومنعته من العمل في الجامعة.

غادر شلّح فلسطين في سنة 1986 إلى لندن لإكمال الدراسات العليا وحصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد في سنة 1990، وقد واصل نشاطه السياسي هناك لفترة ثم سافر إلى الكويت وتزوج، وعاد إلى بريطانيا، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث عمل أستاذاً لدراسات الشرق الأوسط في "جامعة جنوبي فلوريدا" بين سنتَي 1993 و1995.

في أثناء الدراسة في جامعة الزقازيق المصرية تعرّف إلى الدكتور فتحي الشقاقي، على الرغم من أنهما لا ينتميان إلى التخصص نفسه، فقد كان الشقاقي يدرس الطب في السنة الثانية. وأسفرت صداقتهما عن إهداء الشقاقي للدكتور رمضان كُتباً لقادة الإخوان المسلمين كالبنّا وسيد قطب. وفي سنة 1978 اقترح رمضان على صديقه الشقاقي تشكيل تنظيم، فأخبره الشقاقي أنه ينتمي إلى الإخوان المسلمين، ويترأس مجموعة صغيرة باسم الطلائع الإسلامية، فانضم إليها الدكتور شلّح. وتوسعت هذه المجموعة بعد ذلك بانضمام العشرات من الطلبة الفلسطينين في الجامعات المصرية، وكانت نواة لتأسيس حركة الجهاد الإسلامي في سنة 1981.

وفي سنة 1995 جاء إلى سورية راغباً في العودة إلى فلسطين، وفي تلك السنة اغتال الموساد الدكتور الشقاقي، فاجتمعت قيادة الحركة وقررت انتخاب الدكتور رمضان أميناً عاماً.

أتقن الدكتور رمضان عبد الله شلّح اللغتين الإنجليزية والعبرية، وهو أب لأربعة أبناء: ابنتين وولدين.

وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي اندلعت عام 2000، اتهمت سلطات الاحتلال شلح بالمسؤولية المباشرة عن عدد كبير من عمليات الجهاد ضد أهداف "إسرائيلية".

اشتهر شلح بدفاعه الدائم عن قضية القدس، وأطلق عدة مبادرات لإنهاء الانقسام الفلسطيني بين حركتي "حماس" و"فتح".

وأدرجته واشنطن على قائمة الشخصيات الإرهابية عام 2003، وفي نهاية عام 2017 أدرجه مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي (إف بي آي) على قائمة المطلوبين.

أبرز محددات الدكتور شلح

محددات للأمين العام الدكتور شلّح في إعادة بناء المشروع الوطني الفلسطيني :

"أولاً: الوضع الفلسطيني بجميع مكوناته وعلاقاته الداخلية، أي العلاقة الفلسطينية – الفلسطينية التي عانت ولا تزال تعاني جرّاء حالة الانقسام.

ثانياً: الصراع مع الكيان الصهيوني، ولا أقول العلاقة الفلسطينية – "الإسرائيلية"، لأني لا أستطيع النظر إلى دولة الاحتلال إلّا بمنظور الصراع.

ثالثاً: العلاقة الفلسطينية – العربية والإسلامية، وأقصد هنا العمق العربي والإسلامي للقضية، وأي حاضنة يمكن أن تتوفر للمشروع الوطني الفلسطيني.

رابعاً: أخيراً، هناك العامل الدولي، أو الموقف الدولي من قضية فلسطين، بل من الشعب الفلسطيني وحقوقه ومقاومته ومستقبله."

وبشأن الانقسام، رأى الراحل الكبير أن التخلص من الانقسام والتخلص من الاحتلال هدفان متلازمان، لأن الوحدة والحرية وجهان لعملة واحدة، محدداً أربعة عناوين عملية يمكن أن تشكل مرتكزات للوحدة:

الأول: الهدف، أي ماذا يريد الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية؟ فمنظمة التحرير اعترفت بعدوها قبل أن تحقق أهدافها، الأمر الذي يعني أنها هُزمت وأعلنت الاستسلام التام.

الثاني: وسيلة الوصول إلى الهدف، هل هي المفاوضات أم المقاومة؟

عن المقاومة قال الدكتور شلح: إن الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال والاستعمار الأجنبي حق طبيعي ومشروع كفلته كل الشرائع السماوية والوضعية، للشعوب التي تتعرض للعدوان من أجل الدفاع عن نفسها. فمن حقنا أن نتمسك بحق الدفاع عن شعبنا في مواجهة الاحتلال والعدوان الصهيوني المتواصل. ومن العار أن يطالبنا أي فلسطيني أو عربي أو مسلم بالتنازل عن هذا الحق مراعاة لاتفاقات صمِّمت لحفظ أمن العدو وتثبيت احتلاله لأرضنا. ما تفعله السلطة اليوم والغزو الأجنبي، وربما يقود ذلك مستقبلاً إلى مراجعة الكثير من الاتفاقات والمواثيق الدولية التي كفلت للشعوب حق مقاومة الاحتلال والاستعمار.

 نحن نقول إن الكفاح المسلح، كوسيلة للنضال، لم يصل إلى طريق مسدود، ولم يثبت عقمه أو عدم جدواه. وما يحدث في الجنوب اللبناني خير شاهد على ذلك. لكن المشكلة هي في الفكر والبرنامج السياسي الذي تبنّى الكفاح المسلح الفلسطيني ورفعه يوماً إلى مستوى "المقدَّس"، واليوم ينزل به إلى الحضيض ويعتبره "المحرَّم" المطلوب تصفيته لمصلحة "المدنِّس"، أي الاحتلال، أي انهيار هذا الذي لم تسبق إليه ثورة في العالم؟!

 السلطة اليوم تصرخ ضد الاستيطان، لكنها لا تملك أي برنامج أو خطة عمل لمواجهته ومنع تمدده على الأقل. نحن نطرح الكفاح المسلح أسلوباً يمكن أن يردع المستوطنين ويدفعهم إلى إخلاء المستعمرات والرحيل عن أرضنا. وأكثر من ذلك، فالكفاح المسلح الذي ينقل المعركة إلى قلب العدو، وخصوصاً بالعمل الاستشهادي في تل أبيب والقدس وغيرهما من المدن الكبرى، يمكن أن يحقق نوعاً من توازن الرعب مع العدو، بل سيشجع الهجرة المعاكسة ويحد من حركة السياحة بما يضعف اقتصاده.

الثالث: المؤسسات، فهناك السلطة والمنظمة. الأولى أصبحت عبئاً كبيراً على القضية والشعب، وهي التي تحرف المسار الوطني من صراع مع الاحتلال، إلى صراع فلسطيني – فلسطيني على السلطة. أمّا المنظمة، فيفترض أن تكون الحل، لكنها تحولت إلى مشكلة، وجميع الجهود التي بُذلت بشأن إعادة بناء منظمة التحرير، لم تسفر عن شيء يُذكر.

الرابع: التهديد "الإسرائيلي" والخطر المتمثل في الاستيطان في الضفة وتهويد القدس واستمرار الحصار والحروب المدمرة على قطاع غزة.

واعتبر أن سجال البرامج والحلول، منذ فكرة الدولة الديمقراطية لـ "فتح" في سنة 1968، إلى البرنامج المرحلي، إلى حل الدولتين وغيره، لن يغير موقف "إسرائيل" التي "تعتبر نفسها هي المنتصرة [....] وهي التي تملي شروطها."

وعن غزة، قال إن انسحاب الجيش "الإسرائيلي" في سنة 2005 كان يهدف إلى إخراجها من الصراع ومن الخريطة السياسية والجغرافية وطنياً، وجاء الانقسام كي يزيد الطين بلّة، والأمور تعقيداً. وكان هذا ثمرة التنافس على السلطة في سنة 2006.

وعن مأساة الشتات، قال إن "شعبنا في الشتات يعيش واقع الضحية مرتين: ضحية النكبة وفقدان الأرض والوطن، وضحية الظروف والمكان والواقع الذي يعيش فيه على امتداد العالم."

وعن الداخل الفلسطيني، رأي أن "أهلنا في مناطق 48 [....] يتعرضون اليوم لنوع من التطهير العرقي الصامت في أماكن وجودهم كافة، وخصوصاً في حيفا وعكا واللد والنقب، من هدم بيوت ومصادرة أراضٍ وتهجير داخلي وأشكال المضايقة كلها."

مبادرة النقاط العشر

ومن موقع الإحساس بالمسؤولية الوطنية طرح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي مبادرة من أجل المساهمة في الخروج من المأزق الفلسطيني الراهن والكبير، تتكون من عشرة نقاط على النحو التالي:

أولاً: أن يعلن الرئيس محمود عباس "أبو مازن" إلغاء اتفاق أوسلو من الجانب الفلسطيني، وأن يوقف العمل به في كل المجالات...

ثانياً: أن تعلن منظمة التحرير سحب الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني "إسرائيل"؛ لأن هذا الاعتراف هو أم الكبائر والمصائب والكوارث في التاريخ الفلسطيني،..

ثالثاً: أن يعاد بناء منظمة التحرير الفلسطينية لتصبح هي الإطار الوطني الجامع الذي يضم ويمثل كل قوى وأبناء الشعب الفلسطيني...

رابعاً: إعلان أن المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ما زالت مرحلة تحرر وطني من الاحتلال، وأن الأولوية هي لمقاومة الاحتلال بكل الوسائل المشروعة بما فيها المقاومة المسلحة،..

خامساً: إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وصياغة برنامج وطني جديد وموحد، وإعداد استراتيجية جديدة شاملة على قاعدة التحلل من اتفاق أوسلو، بما ينهي وجود سلطتين وكيانين في غزة ورام الله، وينهي حالة الصدام القائمة بين برنامجين، أحدهما متمسك بالمقاومة ورافض للاحتلال؛ والآخر يجرّم المقاومة ويلاحقها بالشراكة مع الاحتلال والتنسيق الأمني.

سادساً: أن يتم صياغة برنامج وطني لتعزيز صمود وثبات الشعب الفلسطيني على أرضه.. إننا نخوض صراع الوجود والبقاء على أرض فلسطين في مواجهة عدو يدير الصراع على قاعدة حشر أكبر عدد من الفلسطينيين في أصغر مساحة من الأرض،..

 سابعاً: الخروج من حالة اختزال فلسطين أرضاً وشعباً في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتأكيد على أن الشعب الفلسطيني في كل فلسطين وأينما كان هو شعب واحد وقضيته واحدة.

ثامناً: الاتصال بكل الأطراف العربية والإسلامية، ليتحملوا مسؤولياتهم التاريخية تجاه هذه الخطوات، وتجاه الأخطار والتحديات المصيرية التي تواجهها فلسطين وشعبها، وتجاه ما تتعرض له القدس والمسجد الأقصى، وأن يوقفوا قطار الهرولة نحو العدو الغاصب لفلسطين والقدس، وأن يسحبوا المبادرة العربية من التداول...

تاسعاً: أن تقوم قيادة منظمة التحرير من موقعها الرسمي، بملاحقة دولة الكيان وقادتها أمام المحكمة الجنائية الدولية كمجرمي حرب، وأن يتم العمل على تفعيل وتعزيز حركة المقاطعة الدولية للكيان الصهيوني في كل المجالات...

عاشراً: إطلاق حوار وطني شامل بين كل مكونات الشعب الفلسطيني لبحث خطوات ومتطلبات التحول نحو هذا المسار الجديد الذي سيعيد الاعتبار لقضيتنا ويضعنا على الطريق الصحيح نحو استعادة الأرض والحقوق.

وأكد، أن حركة الجهاد الإسلامي تمد يدها للجميع للعمل من أجل تحقيق التغيير المطلوب، مستدركاً أن المبادرة باتجاه هذه الخطوات تبقى بالدرجة الأولى بيد الأخ الرئيس "أبو مازن" الذي نتوجه إليه رغم أي خلاف في الرأي للقبول بها لأنها تمثل الطريق الذي ينقلنا من لغط الحديث عن مرحلة ما بعد "أبو مازن".

...

في الذكرى الثانية لرحيل الدكتور شلح قال عنه رفيق دربه وحامل الأمانة القائد المجاهد زياد النخالة في كلمة الرثاء:

"لقَدْ كانَ (الدكتور شلح) أكثَرَنَا حُضُوراً وأكثَرَنَا ثقافَةً، لقَدْ تَوقَّفَـتْ رِحلَةُ أربَعَةِ عُقُودٍ مِنَ العَطاءِ السَخِيِّ والمُمَيَّزِ بِغِيابِه، ولكِنْ لَمْ يَنتَهِ الحُضورُ فِيمَا تَرَك، وسَتَكْتَـشِفونَ في مَوسُوعَةِ الأعمَالِ الكامِلَةِ للدُكتورِ رمضان التي سَتُصدِرُهَا الحركةُ قريباً، أنَّهُ يَستحِقُّ أكثرَ مِمَّا كُتِبَ عَنْهُ أوْ قِيْلَ فِيْه".

اخبار ذات صلة