قائمة الموقع

د. شلح.. مسكون بالقدس والمقاومة كخيار استراتيجي

2022-06-06T10:23:49+03:00
بقلم: أمين مصطفى

عندما تكبر التحديات، وتتعرض القضايا المصيرية للخطر، تزداد الحاجة للرجال الرجال، فكرا وسياسة وقيادة، وهذا ما بيّنه تاريخ وجهاد أحد أبرز قادة المقاومة الفلسطينية، الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الدكتور رمضان عبد الله شلح، الذي نعيش ذكرى رحيله الثانية هذه الأيام.

كان د. شلح مسكونا بوجدانه وعقله وفكره وحبره وكيانه بالقدس وفلسطين والمسجد الأقصى وحركة المقاومة المسلحة، كخيار استراتيجي.

لم يساوم، لم ييأس يوما، بقي متشبثا بمبادئه التي أقام بنيان حركة الجهاد الإسلامي عليها مع رفيق مسيرته الأمين العام الأسبق الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي، وبقية رفاقه السابقين والحاليين، الذين يؤمنون بأن المقاومة هي خيار أصوب لتحرير كامل التراب الفلسطيني، وأن وحدة الشعب ممر إلزامي لاستكمال نهج الكفاح، وأن الخلاص لا يأتي إلا عبر الوحدة الإسلامية، وتضافر كل جهود أحرار العالم لانتزاع الحق السليب.

كانت القدس بالنسبة للدكتور شلح باب الحرية، فمن أجلها تهون الأرواح، وهذا ما أكدته مواجهات القدس اليوم، حيث يتصدى الأهالي بصدورهم العارية لجحافل جنود الاحتلال الصهيوني وقطعان مستوطنيه، وكان يعتبر أن "القدس بالنسبة لي جزء من ديني وعقيدتي، ومن يقول لي تنازل عنها كأنما يقول لي إحذف سورة الإسراء من القرآن".

وعزز القائد النخالة موقف شلح من القدس عندما قال إنه "ترك بصمة واضحة في مسيرة الجهاد والمقاومة، ومسيرة الشعب الفلسطيني باتجاه القدس وباتجاه فلسطين".

وفي كلمة له أثناء تشييع شلح قال النخالة: "شلح قاد حركة الجهاد على مدى أكثر من عشرين عاما، وكان رجل الكلمة، وفارس الموقف، ورجل المقاومة والجهاد، ورجل فلسطين".

إن تعداد الصفات الإنسانية والفكرية والجهادية والإبداعية للقائد شلح، يحتاج إلى كتب ودراسات واسعة، لكن نكتفي هنا وبمناسبة ذكرى رحيله الإشارة إلى شهادة الفصائل الفلسطينية في وصفه في بيان بعد وفاته، ومنهم: "كان شلح رجلا من طراز آخر، فحرص على الوحدة الوطنية، وكان عقائديا حتى النخاع الشوكي، ولم يؤمن بأي شكل من الأشكال أن تكون فلسطين، أو جزءا منها لأحد غير الفلسطينيين".

هذه السيرة التي شهد بها القاصي والداني، هي التي دفعت مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI إلى إدراج شلح على قائمة المطلوبين لديه إلى جانب 26 شخصية حول العالم وسبق ذلك إدراج أمريكا اسمه على قائمة الإرهاب بموجب القانون الأمريكي، وصدرت بحقه لائحة تضم 53 تهمة.

كان الدكتور شلح مدرسة جهادية ووطنية كرس حياته من أجل قضيته المتمثلة بتحرير القدس وفلسطين من النهر إلى البحر، وقد أسس نهجا وبنية مقاومة، كبرت وتطورت تسليحا وتدريبا بشكل سريع، برزت نتائجها في معركة "سيف القدس" الأخيرة.

رأى الأمين العام السابق لحركة الجهاد الإسلامي أن "قضية فلسطين والصراع مع العدو هي قضية بين حق وباطل، وليس هناك قوة على وجه الأرض، مهما عظمت، تملك رخصة في تحويل الباطل إلى حق، وفي تغيير حقائق التاريخ وتزويره".

آمن الدكتور شلح بأن الصراع بشأن فلسطين تاريخي، وسيستمر عبر الأجيال رغم كل محاولات الاحتواء والارتهان.

وأدرك بأن موازين القوى الدولية ليست ثابتة وهي قابلة للتغيير، "واعتراف العرب بإسرائيل الآن هو نوع من التسليم الإجباري بوجودها"، لكنه برأيه هذا الموقف عرضة للتبدل بزوال المسببات.

رفض شلح اتفاق أوسلو لأن جوهره "حفظ أمن إسرائيل، لا استعادة الأرض الفلسطينية".

وقال في حوار أجرته معه مجلة الدراسات الفلسطينية، المنشور في عددها السابع، شتاء العام 1999: "إن الكفاح المسلح ومقاومة الاحتلال والاستعمار الأجنبي حق طبيعي ومشروع، كفلته كل الشرائع السماوية والوضعية، ومن العار أن يطالبنا أي فلسطيني أو عربي أو مسلم بالتنازل عن هذا الحق، مراعاة لاتفاقات صممت لحفظ أمن الاحتلال، وتثبيت احتلاله لأرضنا".

أفكار وآراء شلح هذه بذار غرست عميقا بذاكرة أجيال برهنت عن حضورها الميداني بشجاعة في كل مراحل المواجهة مع العدو الصهيوني، وهي قابلة بالنمو إلى أن تشكل أفواج التحرير المرتقبة لكل مساحات الأرض الفلسطينية المحتلة.

بغياب الدكتور شلح فقدنا قائدا يصعب تعويضه، غير أن عزاء هذا الفقد هو بالقيادات التي تسلك نفس الدرب، وتنهل من نفس النبع، وبالشباب الذين أقسموا أنهم سيواصلون الجهاد مهما كبر حجم التضحيات وبهذا المعني وبهذه الإرادة الصلبة تثبت مدرسة الجهاد التي أسسها كل من الشهيد الشقاقي والشهيد شلح، والتي يتولى قيادتها حاليا القائد المجاهد زياد النخالة أنه سيكون لها دور بارز في اقتلاع الاحتلال من جذوره.

اخبار ذات صلة