عندما تضيق سبل العيش في الإنسان تتراكم عليه مصائب الدهر من لجوء وتشريد وعيشة المخيمات إلى مرض كتبه الله على الطفلة الفلسطينية بتول جهاد زيداني من مخيم البص جنوب لبنان، وما يزيد الطين بلة حالة الفقر التي تجتاح معظم عوائل اللاجئين الفلسطينيين، خاصة مع انهيار الوضع الأقتصادي وانخفاض قيمة العملة اللبنانية.
الطفلة بتول زيداني ابنة الـ8 سنوات تعاني من وضع صحي حرج، فهي مصابة بعدة أنواع من الحمى، التي تكاد الواحدة منها تنهك أكبر جسد، فكيف لطفلة صغيرة أن تتحمل ذلك!، فهي تعاني من ثلاثة أمراض مناعية، هي: حُمى البحر المتوسط، الحُمى الذئبية، وحُمى بهجت تحمله في الجينات.
ونتيجة تقصير المعنيين وقلة حيلة الأب وضعف إمكانياته، ينفذ جهاد زيداني إضراباً عن الطعام منذ خمسة أيام، وذلك بعد أربع سنوات من السعي من أجل تأمين دعم وتغطية علاج طفلته، في ظل ما يصفه "استهتاراً" من قبل وكالة "الأونروا" ممثلة بمدير قسم الصحّة لديها في منطقة صور حمد حيدر.
وللاطلاع عن كثب على حالة الطفلة، اتصلت وكالة القدس للأنباء بوالد الطفلة الذي قال لوكالتنا، إن "مشكلة ابنتي الصحية بدأت من العام 2016، وحينها اضطريت لتسكير عيادة الأونروا في مخيم البص للمطالبة بتأمين الدواء، ما أجبرهم على الرضوخ لمطالبي وصرف نسبة من الدواء للطفلة، لكن عندما بدأت الأزمة المادية للوكالة الأممية، بدأ مسؤولو الأونروا التذرع بنقص التمويل لوقف المساعدة. وبالفعل تم وقف صرف الدواء لابنتي، وحينها اضطريت للجوء لجميع المؤسسات في لبنان للتكفل بعلاج ابنتي، لكن دون جدوى".
وأشار زيداني إلى أن "الأدوية التي أطلبها لأبنتي ليست علاجاً لها، إنما للوقاية من ازدياد الأعراض، وعلاجها في البلاد الأوروبية وليس هنا، ووضعي المادي سيء جداً، وأنا أطالب منذ ست سنوات بتسفيرها إلى الخارج لعلاجها نهائياً من المرض، بدون وجود آذان صاغية، كأن الطفل الفلسطيني في لبنان متروك لمصيره الحتمي، وهو الموت على سرير المرض بدون علاج".
مسؤول الصحة لم يبالِ
ولفت زيداني إلى أنه التقى مدير "الأونروا" في لبنان، كلاوديو كوردوني، خلال زيارته لمقر الأونروا في صور، بحضور الدكتور فوزي كساب والدكتور حمد، ومدير مخيم البص حالياً رائد الأحمد، واشتكى ما حدث معه، وأطلعه وقتها على وضع ابنته الصحي، وحين عرف بقصة بتول، قرر صرف تغطية نصف قيمة الأبر، وطلب منه أن يقدم الأوراق إلى دائرة الصحة بالأونروا، وبالفعل تم تقديم الأوراق، لكن دون رد.
وأضاف: "بتاريخ 19/5/2022، حدث داخل العيادة نقاش بيني وبين مسؤول أطباء "الأونروا" في صور، الدكتور حمد حيدر، عندما كنت أطالب بحق الطفلة في تلّقي العلاج وتغطيته من قبل "الأونروا" والمنظمة، إلا أنه لم يبالِ لوضع ابنتي ولم يبلغ الجهات المعنية بهذا الأمر".
وتابع: "بعد ذلك ونتيجة المماطلة، اضطررت للقاء مدير منطقة صور في "الأونروا"، لمراجعة التقارير والفواتير التي قدمتها في أوائل السنة الماضية (2021) ، بطلب من المدير العام للأونروا، وتبيّن أن هناك قرار بتغطية نسبة 30% في صيدلية حيرام في المرة الأولى، وقرار رفض لتأمين العلاج في الملف الثاني، ولم يكن لديه أي علم بهذه القرارات، نتيجة تقصير قسم الصحة في صور".
مضاعفات المرض
وعن تطورات مرض ابنته، قال الوالد جهاد: "ابنتي تعاني الآن من مضاعفات المرض ما سبب لها عمى بالعيون وعدم رؤية"، مضيفاً أن آخر مرة ذهب الى العيادة، كانت ابنته تعاني من عينيها بسبب تأخر العلاج، فيما لم تقدم الوكالة العلاج اللازم ولم تهتم بأوراقها، ولم يحولها مدير قسم الصحة إلى الجمعيات المعنية بالمرضى المحتاجين، ولم يوصل ملفها لإدارة الوكالة العليا"
وأوضح، أن "ابنته بدأت رحلة علاجها منذ 4 سنوات، وتحتاج لإبرة علاج أسبوعياً، تبلغ قيمة الواحدة منها 1260 دولاراً أمريكياً، فيما لا أقدر على تأمين ثمنها، واعتمد على التبرعات وما أحصله من فاعلي الخير والأيادي البيضاء".
ودعما للطفلة المريضة اعتصم أمس الأول الأحد، حشد من أهالي مخيم البص للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور جنوبي لبنان، أمام عيادة وكالة "الأونروا" للمطالبة بإنقاذ حياة الطفلة الفلسطينية بتول جهاد زيداني، التي تعاني من مرض جيني مزمن، ويتطلّب علاجاً دائماً ومكلفاً، ووضع وكالة "الأونروا" أمام مسؤولياتها في توفير العلاج للطفلة.
إشكال مع مدير قسم الصحة أدانته "الأونروا"
وجرى أمس تلاسن وإشكال بين والد بتول والدكتور حمد بعيادة "الأونروا" في مخيم البص، عقبت بعده "الأونروا" ببيان قالت فيه، إنّ "مدير قطاع الصحّة لديها في منطقة صور، قد تعرّض لاعتداء خلال زيارته عيادة الوكالة في مخيّم البصّ، حيث دخل شخص العيادة واعتدى على مسؤول الصحة لفظياً وجسدياً مستخدماً كرسياً ما تسبب في إصابة المسؤول برضوض متعددة في جسمه بما فيها إصابة في الرقبة واليد"، في إشارة إلى والد الطفلة بتول.
وأضافت: "كان هذا الشخص يطالب بسداد مبلغ مالي دفعه لقاء أدوية لابنته من خارج الإجراءات المعتمدة من قبل الأونروا، والتي يعرفها هذا الشخص وكان يستخدمها في السابق، إن سياسة الأونروا تسمح بتغطية 30٪ لمثل هذه الأدوية والوكالة مستعدة لمواصلة هذا الدعم." حسبما أوردت الوكالة في بيانها الذي أدانت فيه "الاعتداء".
فيما سرد والد الطفلة روايته لما حدث، محملاً الدكتور حمد حيدر المسؤولية عن القيام بالإشكال، ووصفه بـ "رد الفعل والخطأ" مردّه الشعور بالظلم، مشيراً إلى تلقيه "إساءة مباشرة" من الدكتور حمد، عدا عن مسيرة طويلة من "الاستهتار" بحياة ابنته وإهمال ملفها من قبل الدكتور، وهي تعاني مرضاً نادراً ومزمناً وخطيراً، وعلاجه مكلف بشكل كبير، وقد يؤدي إهماله في فقدان حياتها، حسب قوله.
وأشار زيداني، إلى أنّ الحادث اقتصر على ملاسنة، ومن ثمّ احتكاك جسدي طفيف "مسك من الملابس"، ولم يتوجه للدكتور حمد بالشتيمة والإهانة، إنما طالبه بتحمّل مسؤولياته، ووجه له كلمات تتعلق بنقد عمله بالوكالة "وسلوكه واستهتاره"، ليقوم الدكتور بطرده من العيادة ووصفه بـ"عديم التربية" وهو ما أثار غضب زيداني الذي تصرّف "برد فعل" حسب قوله.