أطلق رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، الدكتور خلدون الشريف، جملة من المواقف في ما يتعلق بملف إعادة إعمار مخيم نهر البارد خاصة والشأن الفلسطيني في لبنان عامة، وذلك في مقابلة أجراها معه "منتدى مخيمي نهر البارد والبداوي الحواري"، ونعيد في وكالة القدس للأنباء نشرها.
منتدى مخيمي نهر البارد والبداوي الحواري
تلتقيه للمرة الأولى، فيشعرك أنك تعرفه منذ زمن طويل. يكسر حواجز اللقاء الأول منذ اللحظة الأولى، وتشعر بديناميته وحيوته فوراً. ليس موظفاً، وإنما سياسي طرابلسي مخضرم، يعرف السياسة وألاعيبها. ومن هنا، تشعر في حضرته أنك لست أمام موظف يقوم بعمله، بل أمام سياسي يعرف ماذا يدور حوله.
يترأس حالياً لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني؛ ورغم أن مدة رئاسته لم تتجاوز الأشهر القليلة بعد، مقارنة بعمر اللجنة الذي يمتد الى قرابة سبع سنوات، إلا أنه استطاع أن يضفي عليها من رؤاه وحيويته، حتى باتت جزءاً أساسياً في الحراك الفلسطيني في لبنان، ونقطة التقاء القوى الفلسطينية على اختلافها مع الحكومة اللبنانية بوزاراتها المختلفة.
صريح لا يوارب. يقول ما يشعر أنه الحقيقة. لا يتورع عن وصف إسرائيل بالعدو، ويدرك تماماً خفايا ما يدبر للملف الفلسطيني في لبنان في كواليس السياسات الدولية. هو نصير للقضية الفلسطينية، ويرى أنها القضية الوطنية والقومية الأولى. ويشعر وهو على رأس عمله بأنه يؤدي مهمة قومية ووطنية تتعلق باستقرار لبنان وأمنه، وبالقضية الفلسطينية وحفظ حقوق اللاجئين ومحاربة كل مشاريع التوطين، ويصر على أن حل قضية اللاجئين هو في العودة، التي يعيقها العدو الإسرائيلي.
إنه رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، الدكتور خلدون الشريف. التقيناه في منزله، وكان لنا معه حوار شامل حول عدد من القضايا المتعلقة بمخيم نهر البارد وشجون أبناء شعبنا في لبنان. لم يسعفنا ضيق الوقت في أن نطرح كل الأسئلة، ولا أن يخبرنا بكل ما يود قوله. ولكنه كان واضحاً مباشراً... وكان لنا معه الحوار التالي:
س: لماذا لا تزال هيئة الحوار اللبناني - الفلسطيني تضم أعضاء لبنانيين فقط؟ وقد اعتدنا سابقاً، قبل أن تكونوا في سدة مسؤولية اللجنة - أن الدعوات لم تكن توجه الى طرف فلسطيني للحوار. وقد تغير هذا الأمر الآن. ولكن ما هي الحقائق الكامنة وراء عدم تطعيم اللجنة بالطرف الفلسطيني الذي يجب أن يكون طرفاً أساسياً في الحوار، بحسب مسمى اللجنة ومهامها؟
لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني هي لجنة وزارية ينبثق عنها ممثلون عن كل الوزارات اللبنانية المعنية. ووظيفتها هي الحوار مع الأطراف الفلسطينية الرسمية. فرئيس اللجنة يسمى من قبل رئيس الحكومة شخصياً. وهناك ممثلون عن وزارات الطاقة والدفاع والتربية والصحة والشؤوون الاجتماعية والخارجية. هذه اللجنة تقوم بالحوار مع الأطراف الفلسطينية التي هي السفارة الفلسطينية, والفصائل (منظمة وتحالف), واللجان الشعبية في المخيمات. ونظراً لكثرة الاطراف الفلسطينية الرسمية, تبلورت لدينا فكرة تقدمنا به الى الطرف الفلسطيني, وهي أن يشكل كل طرف لجنة للتواصل. فالتحالف يشكل لجنة تمثله, والمنظمة كذلك. لأنه من النواحي التقنية سيصبح من الصعب إدارة اجتماع بأكثر من عشرين مجتمعاً. لذلك, فإن فكرة التمثيل الفلسطيني على المستوى السياسي والأمني هي عند الطرف الفلسطيني الآن.
من جهة اخرى, وفيما يتعلق بموضوع الخدمات, نعلم أن اللجان الشعبية الفلسطينية لجان مسيسة؛ وقد طلبنا ممثلين من ذوي الاختصاص لتشكيل لجنة تقنية فلسطينية تكون من الفلسطينيين داخل المخيمات أو مقربين منها, فاصطدمنا بإشكالية الموازنة من جهة, والتمثيل من جهة ثانية.
س: ملف التعويض على أهالي مخيم نهر البارد عما أزهقته الحرب ملف عالق الى الآن, ولم يكن هناك دفع تعويضات جدية لأبناء المخيم. وفي المقابل كان هناك تعويضات للجوار اللبناني. وُعِد الجانب الفلسطيني بتعويضات؛ إلا أنها لم تُصرف الى الآن. كان هناك مبادرة محدودة (المنحة الإيطالية) إلا أنها صُرفت فقط لسكان البرايمات، وليس لأبناء المخيم الجديد. ما الذي يمنع أو يؤخر دفع تعويضات للمتضررين الفلسطينيين من الأحداث؟
لا تستطيع ان تفعل كل ما تريد في الحياة, فهناك أولويات وامكانيات وقدرات. لذلك اسمح لي أن أطرح هذا السؤال بصيغة أخرى: أين المجتمع الدولي بأسره، الذي تعهد بإعمار مخيم نهر البارد، من عملية الإعمار بما تشمله، من مختلف الزوايا؟ تم توفير المال لإعمار أقل من نصف المخيم القديم, ولا يتوفر الى الآن باقي المبلغ المطلوب، رغم أن التعهد في البداية كان بتأمين كامل المبلغ. أمام هذا الواقع أوقفنا عملية دفع التعويضات وأعطينا الأولوية لعملية الإعمار نفسها الى حين توفر باقي المبلغ المطلوب كاملاً. واجتمعنا في السراي الحكومي برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي لأجل تنظيم مؤتمر آخر لتوفير المال؛ إلا أننا اصطدمنا بواقع أن التوقيت الآن غير مناسب بسبب الأوضاع الدولية والإقليمية وأولويات الدول. لذلك، في حال وجهنا الدعوة الآن الى مؤتمر فسيُكتب له الفشل. والأونروا الآن لديها مشكلة في ميزانيتها, وكلنا نعلم حجم الضغط الدولي عليها لتقليص خدماتها. كل هذه العوائق تدفعنا الى حل الملفات التي بإمكاننا حلها.
عندما قدمت الى رئاسة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني, اصطدمت بملفات كبرى, سواء على مستوى الحقوق المدنية, أو على مستوى إعمار مناطق الجوار, أو حتى على مستوى لجنة الحوار. وفي كل مرحلة من المراحل، كان هناك الكثير من العصي في الدواليب, سواء لأسباب سياسية, أو حزبية, أو طائفية أو مذهبية. أمام هذا الواقع المستعصي, وقلة الموارد والإمكانات حسبما شرحنا, أصبحنا أمام خيار من اثنين: إما أن نعلن استسلامنا أمام حل الملفات الكبرى, أو أن نفكك عُقداً في أماكن اقل أهمية، وضمن الإمكان. وهذا ما يحصل الآن إلى حين تغير المعطيات والمعوقات. ما قمنا به في ملف نهر البارد في المرحلة الأولى التي تولينا فيها رئاسة اللجنة, بإشراف وتوجيه رئيس الحكومة, أظن أنه كان له الوقع الطيب على كل المستويات . لذلك, وأمام هذا الواقع والملفات المستعصية, الأولوية تُعطى لما هو ضمن الاستطاعة والمتوفر. وبذلك، الأولوية الآن هي لإعمار المخيم، وليس لدفع التعويضات، الى حين تغير الظروف والإمكانيات.
لقد تباحثت مع الدول المانحة من أجل تخصيص مبالغ للمناطق المحاذية للمخيم. فالبارحة (الأسبوع الماضي) اجتمعت مع الطرف السويسري بهذا الخصوص. وقد أعدت العمل بمشروع إعمار حي المهجرين المتوقف منذ حوالي سنتين ونصف. والمنحة الإيطالية قمنا بإحيائها بعد أن كانت متوقفة أيضاً. فجمعنا الأطراف المعنية من صندوق المهجرين ومجلس الإنماء والإعمار, والسفارة الفلسطينية, والإيطاليين لإيجاد مخرج ... وهكذا نتحرك ضمن الإمكانيات المتاحة لحلحلة العُقد التي بالإمكان حلها.
س: هناك منحة يونانية قُدمت لنهر البارد بقيمة مليون يورو, ولم يتم الى الآن تنفيذ مشاريع بقيمتها, فأين أصبحت هذه المنحة؟
بداية، قيمة المنحة الفعلية هي 600 ألف يورو وليس مليون. القيمة النظرية لها مليون؛ إنما الفعلية هي 600 ألف فقط. اليونان يشترط علينا أن نقوم بمشروع يحمل اسم اليونان؛ وكنا قد قدمنا أربع مشاريع لليونانيين تم رفضها. الآن، هناك نقاش بيننا ليتم صرف المبلغ بمشروع ترميمي، ولكن وفق شروط محددة. وبذلك، فإن النقاش لا يزال مفتوحاً بيننا حول هذه المنحة.
س: هناك خطوات إيجابية بخصوص وضع الحالة العسكرية على المخيم. فرفعت التصاريح كخطوة أولى على ان يُستكمل رفع الحالة العسكرية نهاية السنة. هل من جديد بهذا الخصوص؟
موضوع رفع الحالة العسكرية عن المخيم هو موضوع نقاش وسيكون مدار بحث بيني وبين قيادة الجيش الأسبوع القادم (الأسبوع الحالي).
س: في ظل تزايد عدد سكان المخيمات، ومنهم مخيم نهر البارد, وكما هو معلوم أن نسبة الولادات عند الشعب الفلسطيني تعتبر مرتفعة نسبياً, وفي ظل قانون منع التملك للفلسطيني واعتباره أحد الملفات الشائكة من ملفات الحقوق المدنية الفلسطينية, متى سيسمح للفلسطيني في مخيم نهر البارد القديم التوسع عمرانياً بشكل عامودي, بحيث يسمح لمن يرغب بالزواج أن يعمر فوق منزل أهله؟
نحن نقوم حالياً بدراسة موضوع إدارة المخيمات لناحية البناء ومعرفة من يقطن في هذا المنزل ولمن يورثه وكيف. أيضاً، موضوع الكهرباء والهاتف والنفايات وغيرها. طبعاً هناك ملفات من مسؤولية الأونروا، إلا أننا بصدد إعداد صيغة ليست بالسهلة، لنرى كيف ستكون إدارة المخيمات الفلسطينية, ليس على صعيد نهر البارد فقط, وإنما على صعيد مخيمات لبنان.
س: وماذا عمن يقطن خارج المخيمات؟
ينطبق عليهم قانون البلدية.
س: وماذا عن الفلسطيني الذي يملك بيتاً مسجلاً باسم لبناني خارج المخيم لأنه لا يستطيع تسجيله باسمه؟
في هذه الحالة يكون هذا الشخص قد اشترى بعد قانون الـ 2001, وفي هذه الحالة يمكنه استصدار رخصة بناء جديدة باسم اللبناني الذي سجّل المنزل باسمه, أو حتى ترميم البناء أو توسيعه.
س: وماذا بالنسبة للتوريث؟
هذا الأمر خارج نطاق قدرة وصلاحيات لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني للبت به, لأنه من اختصاص مجلس النواب ويحتاج الى تشريع. يجب أن نفصل بين ما تسطيعه الحكومة وبين ما يحتاج الى مجلس نواب. وهنا أنا لا أدعي أنني أستطيع الدخول الى هذا الموضوع، ولكن يمكن أن ندعو الى مقاربة، وأن نمارس إقناعاً بهذا الخصوص وتكرار المحاولة مرة ومرتين وأكثر, مع الفهم التام أن القرار النهائي ليس عند الحكومة وإنما عند مجلس النواب.
س: سمعنا منذ مدة أن هناك مشروعاً لبطاقات ممغنظة للاجئين الفلسطينيين في لبنان, وأن هناك دعماً لهذا المشروع من الولايات المتحدة. أين أصبح هذا المشروع؟
قطعنا شوطاً جيداً في هذا المشروع، ولكن لا يمكننا أن نلزم أنفسنا بتاريخ، وإنما كل ما يمكنني أن أؤكد عليه هو أننا قطعنا شوطاً جيداً جداً في هذا المشروع.
س: هناك مشكلة يعاني منها عدد كبير من الفلسطينيين تتعلق بوثائق السفر. فحين يقدم الفلسطيني طلباً للحصول على جواز سفر جديد أو ليجدد جوازه، يتفاجأ بتوقيف المعاملة وطلبه الى التحقيق والمراجعة في بيروت. والعدد أصبح كبيراً نسبياً. فما حل هذه المشكلة؟
في الحقيقة لا خلفية لدي عن هذا الموضوع، وهذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها بهذا الأمر. ولكن ما أعلمه هو أن المدير العام للأمن العام، اللواء عباس إبراهيم، متعاون جداً، وقريب من الملف الفلسطيني.
س: لتوضيح الأمر دكتور خلدون, هناك حوالي 150 حالة في مخيم نهر البارد وحده ممن أوقفت وثائق سفرهم وطلبوا للمراجعة والتحقيق، ولا تزال وثائقهم محجوزة الى الآن, من هؤلاء من لديهم قضايا قديمة وقد حوكموا بها وانتهت. وقد قدم الشيخ محمد الحاج قائمة الى إدارة الأمن العام تحتوي الـ 150 اسماً، ووُعدنا خيراً، إلا أن أمراً لم يتغير.
انا لم تصلني هذه القائمة. أتمنى أن ترسلوها إلي، وسأتابع مع مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، ومع المعنيين في مديرية مخابرات الجيش مع الضابطين الأيوبي و خطار.
س: بخصوص تحسين العلاقة مع الجوار, تصرف الـ UNDP أموالاً طائلة على مشاريع لتحسين العلاقة الفلسطينية مع الجوار اللبناني. ولكن لا يصل من هذه الميزانيات شيءٌ لصالح المخيم. فهل من دور للجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني في هذا الأمر؟
لا تستطيع لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني التدخل في جهة صرف هذه الميزانيات, لأن هذا يخضع الى الجهة المتبرعة والى الشروط التي تضعها لصرف هذه الاموال.
س: هل من جديد بخصوص اللجنة التقنية الفلسطينية؟
نستطيع أن نقول إن شاء الله الشهر المقبل ستتشكل اللجنة التقنية الفلسطينية، وقد أصبحنا في طور إضفاء اللمسات الأخيرة عليها, وعملها سيكون وصل الناس مع عمل اللجنة.
تركناه وبداخلنا رغبة بالمزيد من الحوار، فوعد بأنه على أتم الاستعداد للقاء حواري موسع مع أهالي المخيم، يحضره الجميع دون استثناء، فكان اتفاق على ان يدعو المنتدى للقاء حواري قريب في المخيم يستقبل الدكتور الشريف, وكافة شرائح المجتمع السياسية والمدنية.