نابلس المدينة الباسلة التي يشهد التاريخ لها أنها كانت ومازالت الحاضنة للثورات والعصية على الخنوع.. المدينة التي اعتادت على العطاء لحماية المشروع الوطني.. نابلس عاصمة جبل النار يطأ أرضها الصهيوني رامي ليفي صاحب المتاجر الشهيرة المقامة في المستوطنات، ويلتقي ومعه عدد آخر من الصهاينة والشخصيات الفلسطينية والعربية والدولية فيها، في منزل رجل الأعمال الفلسطيني منيب المصري.. ويخرج علينا منظمو اللقاء بالقول إن لقاءهم لم يكن تفاوضياً ولا للتعاون الاقتصادي، وإنما لقاء استكشافي حول إمكانية كسر الجمود في عملية التسوية التي وصلت الى حائط مسدود منذ فترة طويلة.
لكن ما كان يروج له الاجتماع الذي عرف باسم "كسر الجمود" جاء على هامش اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي فيما يتعلق بالأوضاع الفلسطينية. وما عزز هذا الكلام هو حضور عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، والدكتور عبد السلام المجالي رئيس الوزراء الأردني الأسبق، والأمير فراس بن رعد ممثل اللجنة الرباعية الدولية، وعدد من الشخصيات المستقلة والرسمية السابقة في الأردن.
كما شاركت شخصيات دولية أبرزها روبرت سري منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، والسفير شاكر أوزكان توروتلار القنصل التركي العام في القدس والذي قرأ رسالة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي التي أدان فيها سياسة الاحتلال وشدّد على أهمية مبادرة كسر الجمود السياسي التي انطلقت من اسطنبول، بالإضافة إلى ممثلين عن البرلمان الأوروبي الذي حملوا رسالة للمجتمعين حول مبادرة كسر الجمود السياسي، وعدد من شخصيات مستقلة من المجتمع المدني الأوروبي والإسرائيلي والأمريكي.
فما عسى هذا اللقاء يكون هل لتناول العشاء في قصر نابلسيٍّ عريق؟ أم هو حفل تعارف نظمه الملياردير النابلسي منيب المصري ليقدم للشخصيات العربية والأجنبية المعجزة الاقتصادية الصهيوني (رامي ليفي) الذي أبدع ببناء المتاجر في المستوطنات المقامة قهراً على الأراضي العربية المحتلة عام 1967؟!
فأي مبادرة هذه التي سيشارك في إطلاقها؟ وأي جمود هو الذي سيكسره رامي ليفي..؟ وهو من دعت كل الجهات الوطنية الفلسطينية إلى مقاطعته.. والذي اقتحم نشطاء المقاومة الشعبية الفلسطينية متاجره قبل أيام منادين بمقاطعته..!!
هل يتجرأ اجتماع "كسر الجمود" هذا على الضغط على نتنياهو كي يوقف الاستيطان، وأن يعلن موافقته على حل الدولتين، ويتراجع عن شرطه الاعتراف بيهودية الكيان الإسرائيلي..؟ أم أنه سيكون كسراً للصمود الفلسطيني وتآمراً على قوى المقاومة وعلى الشعب الفلسطيني الرافض للتسوية؟!
المؤكد أن حشداً كهذا، وفي وقت كهذا، لا يبشر بالخير. فهو حشد كسر المحرمات، وهي إشارة على تهالك النخب العربية واستعدادها للتحول الواضح والفاضح إلى قنطرة للمشاريع الأمريكية ومن ورائها الصهيونية.
ورغم ندرة المعلومات عن هذا اللقاء, إلا أن انعقاده في هذا التوقيت, وفي المكان الذي عقد فيه, وبهذا التنوع من الشخصيات الفاعلة والمؤثرة, فإنه يشير إلى وجود محاولة لإحداث اختراق في الصيغة التقليدية في عملية التسوية, والبحث عن مخرج إقليمي للنفق الذي دخلت فيه، تأتي على حساب الشعب الفلسطيني وصموده وحقوقه، على نحو ما صرح به رئيس السلطة محمود عباس من تنازل عن حق العودة، وشطب أكثر من 80% من فلسطين، عبر شاشة القناة الصهيونية الثانية.
اجتمع المتحاورون وانفض سامرهم دون أن نعرف شيئاً فيما خاضوا وإلام انتهوا.. فهل أن قابل الأيام ستفاجئنا بمبادرات جديدة، تكشف ما يدور بين النخب العربية والصهيونية؟ علينا أن نبقي كل الأعين مفتوحة..