وكالة القدس للأنباء – خاص
كلما وقعت في الشدة أكثر زاد إيمانك وتفكيرك بالطريقة التي تزيل فيها هذه الشدة. هكذا هم شباب فلسطين الذين لا يكلو ولا يملو من مقارعة العدو الصهيوني الذي يتسلح بأعتى الأسلحة والتكنولوجيا، هذا الصراع الذي ما انطفأ يوماً في سبيل استرجاع الأرض والكرامة، وعلى مدار 70 عاماً سطر الشعب الفلسطيني أعظم الملاحم وقدم عشرات الآلاف من الشهداء وملايين الجرحى من أجل عيون فلسطين..
70 عاماً لم تهدأ زنود المقاومين في الدفاع عن ارض الوطن وتكبيد العدو أكبر الخسائر. وكان الفلسطينيون عند كل معركة مع هذا العدو يبتكرون وسائل دفاعية وهجومية توقع قادة الاحتلال والجنود الصهاينة في حيرة من أمرهم ويقفون عاجزين أمام ابداعات الفلسطينيين في المقاومة والنضال. وكلما ازدادت شراسة العدو بآلة القتل والارهاب، واجهها الشباب الفلسطيني بالحكمة والذكاء والأشياء البسيطة التي لا يتوقعها العدو، (والحاجة أم الاختراع)، هكذا تقول سنن الحياة. فالرغبة في التخلص من نير العدو والظلم واسترداد الحقوق تدفع المظلوم للتفكير في ايجاد أدوات ترد كيد الظالمين وتخلص الحقوق من أيديهم. وتاريخ الشعب الفلسطيني حافلٌ بالأدوات التي يستخدمها تجاه العدو، فمهما كانت بسيطة إلا أنها مؤلمة، وتعتبر مسيرة العودة هي أحدث وسيلة نضالية يخوضها الشعب من أجل العودة إلى القرى التي هُجر منها عام 1948.
فما هي الإبداعات التي استخدمها الشباب الفلسطيني في مسيرة العودة الكبرى على حدود قطاع غزة أمام العدو الصهيوني..
وحدة "الكوتشوك والمرايا العاكسة"
بعد الجمعة الأولى من مسيرة العودة والتي وقع فيها أكبر عدد من الشهداء جراء القناصات "الإسرائيلية" المتمركزة خلف الكثبان الرملية، عند السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48، قرر الفلسطينيون مواجهة ذلك عبر حجب الرؤية عن الجنود الصهاينة. فشكلوا "وحدة الكوتشوك" من الشباب الثائر لجمع إطارات وسائل النقل وحرقها على الحدود أمام الجنود الصهاينة للتعمية عليهم، كي لا يطلقوا النار على المتظاهرين، حيث تم جمع أكثر من خمسة عشر ألف اطار تم حرقهم في الجمعة الثانية لمسيرة العودة الكبرى. وهذه الخطوة أربكت العدو لدرجة دفعت بقادته لمناشدة المنظمات "المهتمة بالبيئة" لوقف هذا الحريق الهائل بحجة "الخوف على البيئة"!..
أما الوحدة الثانية فهي "وحدة المرايا العاكسة" التي استخدمها الشباب ليوجهوها صوب جنود العدو لتحجب عنهم الرؤية، وتحول دون تمكنهم من استهداف المتظاهري برصاص غدرهم وحقدهم.
لقد نجحت وحدة "الكوتشوك" و"عكس المرايا" في تشويش الرؤية على القناصين الصهاينة، وبدى هذا واضحاً في الجمعة الثالثة التي لم يقع خلالها إلا شهيدين وبعض الجرحى..
إشعال الطائرات الورقية
قرر الفلسطيني أن لا يقف موقف المتفرج بل بدأ يبحث عن أدوات تؤلم العدو، والرد عليه، "النار بالنار".. وابتكر فكرة إشعال "الطائرات الورقية". وتقوم هذه الفكرة على إشعال ذيل الطائرة الورقية بفتيل مبلل بالكاز وفصله عن باقي أجزاء الطائرة من خلال سلك قصير كي يكون عازلاً للنيران من الانتقال لباقي أجزاء الطائرة، ثم يتم إطلاق الطائرة في الهواء لمسافةٍ كبيرةٍ داخل حدود فلسطين المحتلة عام1948 فتقع الطائرة على الأحراش والمزارع فتحرق وتتلف المزروعات.
وحدة قص السلك
أما الجمعة الرابعة ففاجأنا الشباب الفلسطيني بوحدة "قص السلك"، وهي فكرة تقوم على اقتحام مجموعة من الشباب لقص الشريط الشائك من خلال أدوات حادة، ثم يتم سحبه إلى جهة المتظاهرين، مما يحدث ثغرة قد يتسلل منها الشباب الغزي إلى الداخل الفلسطيني. وتشارك في هذه العملية عربات زراعية يتم ربط طرف السلك بطرف العربة ثم تسير العربة بسرعة باتجاه المتظاهرين لتحدث خللاً في نظام الحماية عند الجنود.
الطفل الكمامة
وفي زحام مسيرة العودة الكبرى، ظهر بين ألسنة القنابل المسيلة للدموع طفل غزي يدعى محمد بسام عياش، صوّرته عدسات الكاميرات وهو جاثم على الأرض، ينتظر القنابل الغازية المسيلة للدموع، بكل رحابة صدر ووقار وهو يلبس كمامة بدائية يضع بداخلها عرق من البصل الأخضر، بهدف تخفيف حدة الغاز المسيل للدموع، ليتحول الطفل الفلسطيني، بين ليلة وضحاها، إلى أيقونة لـ"النضال" ضد الاحتلال، بعد ابتكاره أسلوبا غريبا لتحمل قنابل الغاز.
أمسيات شعرية
وفي أمسيات مخيمات العودة المنصوبة على بعد أمتار من السياج الفاصل، كانت أصوات الشعراء الفلسطينيين تصدح بقصائدهم الوطنية الرنانة. في حين تتجمع بعض النسوة حول معجن وموقد، لصناعة الخبز والمناقيش للشباب الصامد بوجه جنود العدو... ورجال يصنعون الفلافل يوزعونها على الشباب كنوع من المساهمة في تعزيز الصمود بوجه المحتل.
واستخدم الشباب المنتفض أيضاً طائرات ورقية محملة برسائل مكتوب عليها باللغة العبرية: أيها الصهاينة لا مكان لكم في بلادنا... كما استخدموا المقلاع لرشق الحجارة على الجنود المتمركزين على نقاط مختلفة على الحدود، وعربة جر الحمار كأداة لقذف القنابل على الاحتلال مثل المنجنيق.
معرض صور خاص بالأسرى
وفي غمرة انشغال الجماهير بالتفاعل مع معطيات الميدان، كانت أفكارهم حاضرة، تم تنظيم معرض صور خاص بالأسرى في مخيمات العودة والذي تزامن مع يوم الأسير الفلسطيني. وارتدى الكثير من كبار السن رجالاً ونساءً الملابس التراثية الفلسطينية، فكل أهل قرية لبسوا الزي الخاص بهم. والدبكة الشعبية كانت حاضرة وبقوة من خلال فرق دبكة على إيقاع الأغاني الشعبية التراثية في فترة المساء.
سلسلة قراءة بشرية
مجموعات شبابية تقوم بالانتشار على طول الحدود، وكل عضو معه كتاب يقرأ وأخر يشرح وأخر يحكي فكرة الكتاب. وتم تنظيم محاضرات تعليمية لطلبة جامعيين للتأكيد على تفاعلهم مع فكرة مسيرة العودة. وتنظيم دوري رياضي بكرة قدم حيث أن المساحة كبيرة جدا وتتسع لجماهير غزة التي تحب الرياضة.
وجلسات عائلية للتأكيد على أن "هذه الارض لي". والكثير من جرحى الأيام السابقة عادوا للمشاركة. والكثير من الشباب عقدوا قرانهم في مخيمات العودة.
هذه بعض إبداعات الشباب الثائر ولا زالت الأيام حبلى بالمزيد من المفاجآت.