ظنَ العدو الصهيوني واهماً، أنه قادر بظلمه وYجراءاته التعسفية وقوانينه الجائرة على قتل روح المجاهدين الفلسطينيين المعتقلين والأسرى في سجونه، فاستخدم أبشع أدوات التعذيب، والإرهاب الجسدي والنفسي ضدهم، إلاَ أن كل ذلك فشل أمام عزيمة وإرادة لا تلين.
لقد واجه الأسرى سجانهم بأسلوب جديد من المقاومة والتحدي، فقلب كل الحسابات، إذ لجأووا على فتح ما اصطلح على تسميته "معركة الأمعاء الخاوية"، احتجاجاً على ممارساته وتنكيله، ومارسوا عليه ضغطاً لم يألفه من قبل حتى أجبروه على الاستجابة لمطالبهم وانتزاع حقوقهم.
فضح الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون كل ممارسات القمع ضدهم، أمام المحافل الدولية، والرأي العام العالمي، ولجان حقوق الإنسان وغيرها، وكشفوا بصلابة موقفهم حقيقة الكيان الغاصب وزيف ادعاءاته "الديمقراطية"، وأكدوا أن الأغلال التي تكبل أياديهم وأرجلهم، غير قادرة على تكبيل إرادتهم، وإعلاء صوتهم.
قال المعتقلون والأسرى كلمتهم بالجوع، تحدوا العدو بأنين آلامهم، وبصورة أذهلت العدو والعالم.
صحيح أنه سقط في هذه المعركة شهداء أمثال: عبدالقادر أبو الفحم، العام 1970، راسم حلاوة وعلي جعفر، العام 1980، محمود فريتخ، العام 1984 وحسين عبيدات العام 1992، لينضموا إلى قافلة الشهداء الـ 197 الآخرين الذين قضوا تحت التعذيب واستخدام القوة المفرطة، والرصاص، والإهمال الطبي.
لكن الصحيح أيضاً أن أبطالاً أمثال: الشيخ خضر عدنان ومحمد القيق، وسامر العيساوي وأيمن الشراونة، وهناء شلبي وثائر حلاحلة وبلال ذياب والعشرات من أمثالهم، قدموا نموذجاً جديداً في المواجهة وخطاباً يحمل الكثير من المعاني والأبعاد والدلالات.
فمنذ بدء ملحمة البطولة الجماعية في معركة الأمعاء الخاوية، التي خاضها الأسرى والمعتقلون تحت شعار: "مي وملح" حتى يومنا هذا والمعركة مفتوحة بين جبهتين:
الأولى: تتمثل بجبروت عدو يحاول كسر شوكة شعب صمم على الحياة والانتصار.
الثانية: تتجسد بمقاومين سلاحهم الجوع، وعزيمتهم أقوى من فولاذ كل الأسلحة، وقد رفعوا شعارهم: "إما الحرية أو الشهادة".
لم يطلق المعتقلون والأسرى الفلسطينيون صرخة غضبهم وتمردهم، لمصلحة شخصية أو اعتبارات ذاتية، كانوا يعتبرون أنفسهم أنهم موجودون في خط مواجهة أساس، وبالتالي عليهم أن يكونوا نماذج طليعية لهذا الجيل ولكل الأجيال القادمة، في عملية صراع مفتوحة، مع عدو نازي عنصري، فالتحرير يتطلب من كل فرد أن يكون قائداً في موقعه حتى ولو كان مكبل اليدين، وهذا ما عبَّر عنه الشيخ خضر عدنان الذي تم تمديد اعتقاله ثلاث مرات ظناً من الصهاينة أنهم قادرون على تحطيم روحه المعنوية وفرض اليأس عليه، فقال: إن "إضرابي عن الطعام ليس من أجل قضيتي كفرد، إنما من أجل قضية شعبي، ومئات الأسرى الإداريين المحرومين من أبسط حقوقهم".
ولو تابعنا تصريحات ومواقف عدد من قادة العدو حول الأسرى، لخرجنا باستنتاج واضح، وهو إبداء الحيرة والقلق والفشل والخوف، لأن الحركة الأسيرة تملك إرادة لا يمكن أن تهزم، وبدل ممارسة الضغط عليها، ها هي تعكس الصورة ويتحول الضغط قبضة قوية على رقابهم.
لقد أدركوا أن الاستمرار في اتباع أساليبهم الخارجة على القانون الدولي تحرجهم، وتكشف عوراتهم وزيف بياناتهم حول حقوق الأسير وغيرها.
ستبقى معركة "الأمعاء الخاوية" سلاحاً قوياً وفاعلاً لدى الأسرى والمعتقلين، وتحديداً المعتقلين الإداريين، للعودة إلى الحرية واستكمال دورهم الجهادي في شتى المجالات.
مرة أخرى، وعبر أبطال هذه المعركة وغيرها، يثبت الشعب الفلسطيني أنه صامد وقادر على تجاوز كل محنة، بابتداع أساليب نضالية جديدة لانتزاع حريته وحقوقه.