"وأخيراً، الحلم الذي انتظرته على مدار ثلاثة وثلاثين عاما ها هو يتحقق، ففي كل رمضان كنت أدعو الله أن أكون في رمضان القادم بين أهلي وأحبابي إلى أن استجاب الله تعالى هذا الدعاء فلله الحمد والمنة وها انا اليوم أقضي أجمل أيامي بين أفراد أسرتي وشعبي..."
بهذه الكلمات بدأ عميد الأسرى المحررين فخري البرغوثي حديثه لنا مؤكدا أن "رمضان هذا العام له نكهة خاصة غير التي اعتاد عليها داخل الأسر حيث الحرمان والإذلال والمعاناة وما شئت من صنوف العذاب والتضييق".
فرحة منقوصة
وكان البرغوثي من بين المحررين في صفقة التبادل مع الجندي جلعاد شاليط في أكتوبر الفائت بعد اعتقال دام 33 عاما بتهمة مقاومة الاحتلال.
البرغوثي ورغم أن هناك ما ينغص عليه فرحته باستمرار اعتقال ابنه شادي، إلا انه يقضي رمضان هذا العام بفرحة غامرة ويحاول تعويض أفراد أسرته ما فاتهم من حب وعطف وحنان الأبوة التي حرموا منها قسراً لعشرات السنين.
وعن كيفية استقباله اليوم الأول من رمضان هذا العام، أشار المحرر البرغوثي إلى إنه جسد بالنسبة له مناسبة ومحطة جديدة لاستذكار رفاق دربه الذين تركهم خلفه في الأسر، معربا عن أمنيته في ألا يبقى أي من الأسرى في سجون الاحتلال فالأسر –كما قال- "أصعب لحظات الحياة على الإطلاق، حيث لا تملك نفسك ولا إرادتك ولا خصوصيتك...".
و يستذكر البرغوثي الشهر الكريم في السجن قائلا إنه كان يمثل بوابة جديدة للتألم والحرقة على فراق الأهل والأحبة، حيث تتعمد مصلحة السجون بالتضييق على الأسرى واستفزازهم، مؤكدا أن السجون كانت تتحول في رمضان إلى قلاع للعبادة والدعاء وتدبر القرآن الكريم، الامر الذي يساهم في التخفيف من المعاناة التي يمر بها الأسير حيث الاتصال المباشر مع الله عز وجل.
رمضان مختلف
أما في منزل الأسير علاء العمري من مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية، فكان اليوم الأول من شهر رمضان المبارك مختلفا هذا العام، فلأول مرة من تسع سنوات تجتمع العائلة كاملة على مائدة الإفطار بعد الإفراج عنه قبل أقل من شهر.
المحرر العمري كانت فرحته غامرة رغم تغير الظروف كثيراً من حوله والتي يحاول التأقلم معها، حيث دأب على المشاركة في إعداد طعام الإفطار جنبا إلى جنب مع أفراد أسرته، خاصة تلك الأكلات التي تعلمها وأحبها خلال تواجده في الأسر.
فرحة العمري باستقبال رمضان بين أفراد عائلته و أحبابه لم تمنعه من تذكر إخوانه الأسرى الذين تركهم خلفه في سجون الاحتلال، وسرد لنا الكثير من الحكايات الرمضانية المؤلمة و"المضحكة" في آن التي عاشها في الأسر، مؤكداً أن الاحتلال وخلال شهر رمضان كان يتعمد زيادة الإجراءات التعسفية بحق الأسرى وذويهم حين يزورونهم.
لقاء بعد الحرمان
الاستهداف الصهيوني للفلسطينيين لم يقتصر –كما هو معلوم- على الشباب والرجال، وإنما طال المرأة الفلسطينية التي ضحت جنبا إلى جنب مع الرجل، ولذلك فتحت أمامها أبواب السجون والزنازين وقضت سنوات طوال في السجن كما هو الحال بالنسبة للمحررة الجهادية قاهرة السعدي التي قضت عشر سنوات محرومة من العيش بين اطفالها وأسرتها لتخرج مؤخرا في صفة "وفاء الأحرار".
وعن كيفية استقبال رمضان هذا العام قالت السعدي إن شعورها لا يوصف وهي تعود مجددا الى أبنائها الذين تركتهم وهم في أمس الحاجة لها حيث كانوا صغارا لتخرج وهم في ريعان الشباب مؤكدة انها تسعى جاهدة لتعويضهم فترة الحرمان التي عاشوها وهي داخل الأسر.
وتابعت "كم أنا سعيدة وأنا أصنع طعام الإفطار والسحور لأبنائي من جديد بعد حرمان دام عشر سنوات، فانا الآن أطمئن عليهم وعلى صحتهم عن قرب".
وأشارت السعدي إلى أن شهر رمضان في الأسر كان من أصعب الشهور على الإطلاق على مدار فترة الاعتقال، بسبب الغياب عن الأهل والأبناء لما لهذا الشهر من خصوصية بالنسبة للمسلمين.
وأوضحت انها كما كل الأسرى كانت تحاول التغلب على كافة المعيقات النفسية التي تمر بها في الأسر بمزيد من التقرب الى الله والتوسل إليه بقرب الفرج والانعتاق من قبضة السجان.